الاستقامة في الدعاء
يقوم بعض المسلمين والجماعات الاسلامية في بعض المناسبات بدعاء الله ان يعجل بالنصر او يدعو بأن يعجل الله بقيام دولة الخلافة وهذا ينافي الاستقامة في الدعاء وان كان لا يعتبر تعجيلا في الدعاء ولا يليق بحامل الدعوة ناهيك عن انه لا يليق بالمسلم.
ونبدأ فنقول ان الاستقامة في الدعاء هي ليست عكس التعجيل في الدعاء فكل منهما مختلف عن الآخر:
اما التعجيل في الدعاء فهو كما جاء في الاحاديث : «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي» البخاري ومسلم. وفي صحيح مسلم 2735 قيل يا رسول الله وما الاستعجال قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويترك الدعاء. هذا هو التعجيل في الدعاء المذموم.
اما تعريف الاستقامة في الدعاء كما ذكر القرطبي فهي ترك الاستعجال في حصول المقصود ولا يسقط الاستعجال من القلب إلا باستقامة السكينة فيه ولا تكون السكينة إلا بالرضا الحسن لجميع ما يبدوا من الغيب. تفسير القرطبي 8-376
وقد ذكر هذا التعريف في تفسير قوله تعالى:
وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ – يونس (10-88،89)
وقد وافقه الكثير من المفسرين في وصف الذين يطلبون في دعائهم بتعجيل ما هو حاصل بأنهم جهلة وانهم لا يعلمون.).
وقد قيل الاستقامة في الدعاء سقوط التقاضي ( أي عدم الاستبطاء أي التسريع ) على الغيب و الخمود عن الاستعجال بحُسن الثقة و جميل الظن.
اما تعريف الاستعجال فهو طلب تعجيل الأمر قبل مجيء وقته - التعريفات (1-36)
قال تعالى: {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} الأنبياء (21-37).
قال ابن كثير في تفسيره وَالْحِكْمَة فِي ذِكْر عَجَلَة الْإِنْسَان هَهُنَا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالرَّسُولِ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وَقَعَ فِي النُّفُوس سُرْعَة الِانْتِقَام مِنْهُمْ وَاسْتَعْجَلَتْ ذَلِكَ فَقَالَ اللَّه تَعَالَى خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل لِأَنَّهُ تَعَالَى يُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتهُ يُؤَجِّل ثُمَّ يُعَجِّل وَيَنْظُر ثُمَّ لَا يُؤَخِّر وَلِهَذَا قَالَ " سَأُرِيكُمْ آيَاتِي" أَيْ نِقَمِي وَحُكْمِي وَاقْتِدَارِي عَلَى مَنْ عَصَانِي " فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ " .
قال تعالى "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ - الاحقاف (46-35)
فاصبر على أذى قومك كما صبر أولوا العزم ذوو الثبات والصبر على الشدائد من الرسل .....ولا تستعجل لهم لقومك نزول العذاب بهم قيل كأنه ضجر منهم فأحب نزول العذاب بهم فأمر بالصبر وترك الاستعجال للعذاب فإنه نازل لا محالة- تفسير الجلالين (1-672)
ومن عجلة الإنسان، أنه ربما يستعجل في سؤال الله ما يضره كما يستعجل في سؤال الخير، ولو استجاب له ربه لهلك بدعائه، ولهذا قال سبحانه: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} يونس (10-11)
ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا- الإسراء (17-11)
فيه إشارة إلى أدب من آداب الدعاء وهو عدم الاستعجال فينبغي للسالك أن يصبر حتى يعرف ما يليق بحاله فيدعو به وقال سهل أسلم الدعوات الذكر وترك الاختيار لأن في الذكر الكفاية وربما يسأل الإنسان ما فيه هلاكه ولا يشعر وفي الأثر يقول الله تعالى شأنه من شغله ذكري عن مسألته أعطيته أفضل ما أعطي السائلين. روح المعاني (15-52).
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: "أَيْ طَبْعه الْعَجَلَة , فَيُعَجِّل بِسُؤَالِ الشَّرّ كَمَا يُعَجِّل بِسُؤَالِ الْخَيْر ".
ولهذا قال ابن القيم: لا حكمة لجاهل ولا طائش ولا عجول، وجاء في الحديث: «التأني من الله والعجلة من الشيطان » رواه الترمذي وأبو يعلى وحسنه الألباني.
والدعاة قد يتركون الاستقامة في الدعاء تحت رزء المحن فيميلون إلى طلب تعجيل النصر قبل مجيء وقته لان العجل جزء من تكوينهم البشري:
روى البخاري وغيره عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد ببرود له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا، لا تدعو لنا، فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون». هذا لمجرد الدعاء بالنصر والتمكين فكيف الدعاء باستعجال النصر والتمكين!
ينبغي أن يعلم أن لله في خلقه سنناً لا تتبدل وأن لكل شيء أجلاً مسمى، وأن الله لا يعجل كعجلة أحد من الناس، وأن لكل ثمرة أواناً تنضج فيه فيحسن عندئذ قطافها .
وعلى حامل الدعوة أن يعلم أنه ليس مطالباً بالنتائج أو تحقيق النصر فهذا أمره لله، لكنه مطالب ببذل الجهد فحسب{ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} الشورى (42-48).
فالاستقامة في الدعاء هي من جميل الثقة بالله وحسن الظن به.
انتهى.
يقوم بعض المسلمين والجماعات الاسلامية في بعض المناسبات بدعاء الله ان يعجل بالنصر او يدعو بأن يعجل الله بقيام دولة الخلافة وهذا ينافي الاستقامة في الدعاء وان كان لا يعتبر تعجيلا في الدعاء ولا يليق بحامل الدعوة ناهيك عن انه لا يليق بالمسلم.
ونبدأ فنقول ان الاستقامة في الدعاء هي ليست عكس التعجيل في الدعاء فكل منهما مختلف عن الآخر:
اما التعجيل في الدعاء فهو كما جاء في الاحاديث : «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي» البخاري ومسلم. وفي صحيح مسلم 2735 قيل يا رسول الله وما الاستعجال قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويترك الدعاء. هذا هو التعجيل في الدعاء المذموم.
اما تعريف الاستقامة في الدعاء كما ذكر القرطبي فهي ترك الاستعجال في حصول المقصود ولا يسقط الاستعجال من القلب إلا باستقامة السكينة فيه ولا تكون السكينة إلا بالرضا الحسن لجميع ما يبدوا من الغيب. تفسير القرطبي 8-376
وقد ذكر هذا التعريف في تفسير قوله تعالى:
وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ – يونس (10-88،89)
وقد وافقه الكثير من المفسرين في وصف الذين يطلبون في دعائهم بتعجيل ما هو حاصل بأنهم جهلة وانهم لا يعلمون.).
وقد قيل الاستقامة في الدعاء سقوط التقاضي ( أي عدم الاستبطاء أي التسريع ) على الغيب و الخمود عن الاستعجال بحُسن الثقة و جميل الظن.
اما تعريف الاستعجال فهو طلب تعجيل الأمر قبل مجيء وقته - التعريفات (1-36)
قال تعالى: {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} الأنبياء (21-37).
قال ابن كثير في تفسيره وَالْحِكْمَة فِي ذِكْر عَجَلَة الْإِنْسَان هَهُنَا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالرَّسُولِ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وَقَعَ فِي النُّفُوس سُرْعَة الِانْتِقَام مِنْهُمْ وَاسْتَعْجَلَتْ ذَلِكَ فَقَالَ اللَّه تَعَالَى خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل لِأَنَّهُ تَعَالَى يُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتهُ يُؤَجِّل ثُمَّ يُعَجِّل وَيَنْظُر ثُمَّ لَا يُؤَخِّر وَلِهَذَا قَالَ " سَأُرِيكُمْ آيَاتِي" أَيْ نِقَمِي وَحُكْمِي وَاقْتِدَارِي عَلَى مَنْ عَصَانِي " فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ " .
قال تعالى "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ - الاحقاف (46-35)
فاصبر على أذى قومك كما صبر أولوا العزم ذوو الثبات والصبر على الشدائد من الرسل .....ولا تستعجل لهم لقومك نزول العذاب بهم قيل كأنه ضجر منهم فأحب نزول العذاب بهم فأمر بالصبر وترك الاستعجال للعذاب فإنه نازل لا محالة- تفسير الجلالين (1-672)
ومن عجلة الإنسان، أنه ربما يستعجل في سؤال الله ما يضره كما يستعجل في سؤال الخير، ولو استجاب له ربه لهلك بدعائه، ولهذا قال سبحانه: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} يونس (10-11)
ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا- الإسراء (17-11)
فيه إشارة إلى أدب من آداب الدعاء وهو عدم الاستعجال فينبغي للسالك أن يصبر حتى يعرف ما يليق بحاله فيدعو به وقال سهل أسلم الدعوات الذكر وترك الاختيار لأن في الذكر الكفاية وربما يسأل الإنسان ما فيه هلاكه ولا يشعر وفي الأثر يقول الله تعالى شأنه من شغله ذكري عن مسألته أعطيته أفضل ما أعطي السائلين. روح المعاني (15-52).
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: "أَيْ طَبْعه الْعَجَلَة , فَيُعَجِّل بِسُؤَالِ الشَّرّ كَمَا يُعَجِّل بِسُؤَالِ الْخَيْر ".
ولهذا قال ابن القيم: لا حكمة لجاهل ولا طائش ولا عجول، وجاء في الحديث: «التأني من الله والعجلة من الشيطان » رواه الترمذي وأبو يعلى وحسنه الألباني.
والدعاة قد يتركون الاستقامة في الدعاء تحت رزء المحن فيميلون إلى طلب تعجيل النصر قبل مجيء وقته لان العجل جزء من تكوينهم البشري:
روى البخاري وغيره عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد ببرود له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا، لا تدعو لنا، فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون». هذا لمجرد الدعاء بالنصر والتمكين فكيف الدعاء باستعجال النصر والتمكين!
ينبغي أن يعلم أن لله في خلقه سنناً لا تتبدل وأن لكل شيء أجلاً مسمى، وأن الله لا يعجل كعجلة أحد من الناس، وأن لكل ثمرة أواناً تنضج فيه فيحسن عندئذ قطافها .
وعلى حامل الدعوة أن يعلم أنه ليس مطالباً بالنتائج أو تحقيق النصر فهذا أمره لله، لكنه مطالب ببذل الجهد فحسب{ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} الشورى (42-48).
فالاستقامة في الدعاء هي من جميل الثقة بالله وحسن الظن به.
انتهى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق