الاثنين، 27 أكتوبر 2008

كتاب ( الأسواق المالية ) لمؤلفه الأستاذ / فتحي محمد سليم

كتاب ( الأسواق المالية ) لمؤلفه الأستاذ / فتحي محمد سليم
====================================
بسم الله الرحمن الرحيم

الأسواق المالية

البورصات :

بورصات الأسهم والسندات ، والأوراق المالية ، والبورصات التجارية ، هذه هي أسواق المال ، إنها أسواق وهمية ، يتحكم فيها قراصنة المال ، وكبار المضاربين . وآلية هذه الأسواق هي:
1- سعر الفائدة .
2- سعر الصرف .

إن الأداة الأساسية التي يعتمد عليها السوق المالي ، والتي يتحرك السوق بتحركها ، ارتفاعا وانخفاضا ، ازدهارا أو انتكاسا ، إنما هي الفائدة (الربا) ويرتبط بها سعر الصرف بين العملات النقدية ، كما ترتكز عليها أسعار الأسهم والسندات وباقي المعاملات المالية في سوق البورصات التجارية .

إن الهزة المالية التي حصلت في أسواق المال في دول شرق آسيا ، إنما بدأت من بنكوك عاصمة تايلاند . ففي 2 تموز سنة 1997 بدأت بتخفيض سعر الفائدة في بنك بنكوك المركزي ، وامتدت حتى عمت جميع دول جنوب شرق آسيا ، وبخاصة ، أندونيسيا وماليزيا .

وبتاريخ 17 آب 1998 حصل انحدار مفاجىء للروبل الروسي ، فبعد أن كان الدولار يساوي ستة روبلات ، صعد فورا حتى أصبح يساور ثلاثة وعشرين روبلا .

وفي 13 كانون ثاني 1999 حصل هبوط فظيع للريال البرازيلي وبذلك يكون نصف الاقتصاد العالمي قد أصيب بضربات قوية .

إن المعاملات الاستثمارية هي رؤوس أموال متحركة متنقلة وتحركها وتنقلها إنما يكون بإبراز بطاقة تنطوي على ضمانات وتعهدات تسمى شيكات ، أو تحويلات بإشارات ، فيتحرك المال وينتقل بهذه الإشارة من بنك كذا في أمريكا إلى بنك كذا في باريس أو طوكيو ، أي ينتقل من سوق مالي إلى سوق مالي آخر .
ويواكب هذه التحركات المالية مراقبات ومتابعات دقيقة وحذرة ، ليتمكن المضاربون من الهروب بأموالهم ، إذا ما ظهرت بوادر الخسارة ، إن لم يفتعلوها هم أنفسهم . أو ليدخلوا بسرعة أسواقا تلوح حولها علائم الربح الوفير .

وحيث أن هذه الرساميل المستثمرة تشكل مبالغ ضخمة ، تقدر بالمليارات ، فإن أي تغيير في نسبة الفوائد يؤثر تأثيرا كبيرا على المستثمرين ربحا أو خسارة .

وسعر الفائدة هذا ينعكس على سعر الصرف ، وبخاصة النقد الذي يتمتع بقوة ذاتية . فالتحويلات إنما تكون بالدولار ، والأرصدة الضخمة إنما تقوم عليها البنوك المعتبرة ؛ فإذا ما انخفض سعر الفائدة في منطقة ما من مناطق المراكز التجارية المشهورة ، تنفجر الكارثة ، وتبدأ رؤوس الأموال المستثمرة في الهروب إلى مناطق أخرى ، فتنكشف البنوك في تلك المنطقة ، وتترنح المؤسسات المالية ، وينخفض سعر العملة ، حتى تطال الكارثة عملة البلدان المجاورة ، وتهبط أسعار العملات إلى حد يفقدها أو يضعف قوتها الشرائية ، وتبدأ البورصات في التخلص من معروضات الأسهم والسندات ، في سوق البورصات ، وتصبح هذه الأسهم عبئا على مالكيها ، يريدون التخلص منها بأي ثمن . وهنا يأتي دور قراصنة المال ، فإما أن يهربوا بأموالهم من السوق ، فينكشف السوق ، وتحدث الأزمة . وإما أن تكون قد امتلأت خزائنهم بالملايين . فلا يعدو كونها مقامرة تعتمد على ذكاء المضاربين الكبار وتلاعبهم في السوق ، وتأثيرهم وثقلهم في الدوائر والمؤسسات المالية .
وعندما وقعت الهزات المالية في بعض الأسواق ، خسر فيها الكثيرون ؛ وخسر البعض معظم رأس ماله ، ووصل حجم خسارة البعض أحيانا إلى (1.9) مليار دولار ، ووصل ما تكبده أحد البنوك (700) مليون دولار . وخسر (جورج سوروس) ملياري دولار في بورصة موسكو ؛ إنها خسائر فادحة . وهذا الملياردير المذكور هو أخطر المضاربين في العالم ، وهو يهودي ، ربح في إحدى المضاربات في منطقة الإسترليني مليار دولار في صفقة واحدة ، لخبرته في سوق المضاربات المالية ، وتشغيل رؤوس الأموال ، وقد صرح قائلا : إن الخشية من انهيار النظام الاقتصادي العالمي ، إنما يكمن في قيام الدول المتخلفة بإغلاق حدودها أمام تدفقات رؤوس الأموال ، لتحمي نفسها من آثار الأزمات ، كالأزمة التي أمسكت بعنق نمور آسيا وروسيا ، ثم دول أمريكا اللاتينية .

إن المصارف (البنوك) هي المستودع الذي تصب فيه كافة الأموال المتحركة في أسواق المال ، سواء منها الأموال الحقيقية ، أو الأموال الإسمية شبه الحقيقية . والمعاملات الاستثمارية هي رؤوس أموال متحركة متنقلة ، تداخل أسواقا فتنشطها ، وتبعث فيها الحيوية ، فيجري التفاعل بين مختلف القطاعات المالية والاقتصادية ، فتزدهر قطاعات الإنتاج ، وتزداد فرص العمل ، وتضمحل البطالة ، وترتفع أسعار الأسهم والسندات ، ويكثر الإقبال عليها ، وتستعر حمى المضاربات ، وترتفع مؤشرات البورصات ، وبسرعة فائقة يهتبل قراصنة المضاربات هذه الفرصة ، فيضربون ضرباتهم ، بعد أن كانت قد تحولت عشرات المليارات من الدولارات إلى حساباتهم وبجرة قلم ، أو مكالمة هاتفية يخفض سعر الفائدة في إحدى البنوك المعتمدة ، أو يجري تخفيض في أسعار بعض العملات ذات القوة الذاتية ، فتهرب المليارات بسرعة ويخلى السوق منها ، وتفتح لها أبواب الهرب إلى الخارج ، فتنكشف السوق وتقع الكارثة وينتشر صداها حتى يطال كافة القطاعات المالية والإنتاجية ، وتتفاقم الأزمة ، فتعلن الكثير من الشركات إفلاسها ، وتفرغ خزائن ميزانيات الدولة ، فيهرع مندوبو صندوق النقد الدولي لمعالجة الوضع المالي والاقتصادي في البلد ، ويحضرون معهم قوائم الشروط العلاجية ، ليتم على ضوء تنفيذها إسداء القروض ، كما يكون هناك العديد من الشركات الضخمة المتعددة الجنسية الرابضة على جوانب الساحة لتلتهم القطاعات العامة ، والتي ستتحول إلى قطاعات خاصة ، بفعل قوانين الخصخصة ، وبموجب اتفاقيات منظمة التجارة الدولية ؛ وتقع الفريسة في مخالب وحوش المال ، ويصبح البلد بكل مقدراته نهبا لهؤلاء الناهبين ، كما تصبح الدولة أو دول المنطقة برمتها مشلولة الحركة ، مكبلة الأيدي ، وتتحول النمور إلى قطط ، والصقور إلى دجاج .
بإيعاز من صندوق النقد الدولي وجهازه المتآمر ، أو بإيعاز من البنك الفيدرالي الأمريكي ، وبالتعاون مع وول ستريت ، يتم التنسيق بين هذه المؤسسات والنوادي نوادي المال ، وصناديق الاستثمار . وهذه كلها يقوم عليها رجالا مخضرمون مدربون يتقنون فنون المخادعة . أحدهم يملك مؤسسة مضاربة كبيرة ، ويكون عضوا في نادي مالي ، كما يكون مستشارا لأحد المصارف ، ويكون له ثقل في المؤتمرات الاقتصادية الدائمة ، مثل مؤتمر (دافوس) أو مؤتمر الدول السبع الفنية ، كما يكون مستشارا في بعض جوانب صندوق النقد الدولي ، أو يكون مندوبا في بعثة لاستقصاء أحوال اقتصاد بعض الدول ، أو ما شاكل ذلك ، مثل هؤلاء يكونون ملمين بأطراف القضايا الاقتصادية ، فيعرف أحدهم كيف يدخل الأسواق ، وكيف يحركها ، وكيف يخرج من الأسواق ، وكيف ينهب الأسواق ويخربها . فتقع المصائب ، وتنتشر البطالة ويعم الفقر ، وتعلن الشركات إفلاسها ، وتضطر الدول إلى جدولة ديونها وهلم جرا .
يوجد هناك نظام هرمي غير معلن للاقتراض ، فيما بين البلدان النامية حسب درجة الجدارة الائتمانية في أسواق المال العالمية . فعلى سبيل المثال : كان من الصعب على شركات ومصارف أندونيسيا أن تقترض قروضا قصيرة الأجل من أسواق المال العالمية بأسعار فائدة معقولة . فكانت الشركات الأندونيسية تلجأ إلى البنوك أو الشركات الكورية لكي تقترض لها ونيابة عنها مستفيدة من متانة المركز المالي الكوري ، مقابل (علاوة) تقوم البنوك والشركات الكورية بتعليتها على سعر الفائدة على القروض المقدمة لأندونيسيا . وفي المقابل تقوم الوحدات المصرفية الكورية بدورها بالاقتراض من البنوك وأسواق المال اليابانية لتغطية مراكزها وتدبير السيولة اللازمة . ولهذا فعندما انهارت الأوضاع في أندونيسيا وتعثرت الشركات الأندونيسية في سداد مديونياتها ، تأثرت بذلك أوضاع السيولة في البنوك والشركات الكورية ، التي أضرت بدورها بالأوضاع المصرفية في اليابان .

عندما وضعت أمريكا الأسس التي ستسير عليها في سياستها الاقتصادية ، وهي : صندوق النقد الدولي ، وأعطته الصلاحيات التي يستطيع بها أن يوقع الكوارث المدمرة في ميزانيات الدول بحجة معالجتها ، ثم البنك الدولي ، حيث جعلت منه مؤسسة يتربط بها مؤسسات مالية ضخمة من أجل إسداء القروض الطويلة الأجل ، وتبني المشاريع العمرانية الكبيرة ، وبخاصة البنى التحتية ، كالموانىء والمطارات والسكك الحديدية ، ومشاريع الري والكهرباء ، وغيرها من المشاريع غير الإنتاجية . وبعد ذلك وضعت الأسس والقواعد لمنظمة الجات منظمة التجارة الدولية ، من أجل إزالة الحواجز الجمركية ، وفتح الحدود بين الدول لتنقل رؤوس الأموال مع ضمانة حمايتها ، وحماية أرباحها ، مع تسهيل دخولها وخروجها في أي حين دون أية عراقيل ، ثم بعثت إلى الحياة مولودا جديدا هو موضوع العلمنة .
وأما الداء الوبيل ، والمرض القاتل ، فهو موضوع الديون ، هذه هي القيود التي تكبل بها أيدي وأرجل الدول المدينة ؛ حيث تجعلها مقودة بزمام طرفه في يد الدائنين ، والطرف الآخر ممسكا بأعناق المدينين .

أي أن هذه الديون هي الاستعمار بعينه ، والاستعباد بعينه ، وهي الفقر بعينه والذل بعينه ، والتبعية التي لا حد لها ، ولا مناص منها .

هذه قضية الديون ، يجب أن تلغى نهائيا وإلى الأبد ، وهذه واقعية البنوك ، فيجب أن تلغى نهائيا وإلى الأبد ، وهذه نتائج الربا (الفائدة) فهي محرمة بصريح النصوص وإلى الأبد ، وهذه آليات البورصات المالية ، وأسواقها الوهمية ، فيجب أن تزول وإلى الأبد وتستثمر الأموال في السوق التجارية بشكل فعلي يقوم تحرك السلع والخدمات ، والبضائع والمنتوجات الزراعية والتجارية والصناعية لتشارك فيه كل يد ، ويدخل كل بيت .

وموجودات أسواق البورصات موجودات وهمية ، وليست حقيقية ، إذ لا يوجد فيها سلع معدة لبيعها والمساومة عليها ومعاينتها ، ومواصفتها حيث إنها ، أولا : أوراق أسهم ، بورصات أسهم . ثانيا بورصات تجارية ، ثالثا أوراق مالية (سندات مالية) .

وأمامنا الآن ظواهر ثلاث تكتنف العالم بأسره وتحيط به من كل جانب :
1- الظاهرة الأولى هي فرقعة السلاح ، ودوي المدافع ، وهدير الطائرات ، وانقضاض الصواريخ ، واشتعال النيران ، مسبوقة بالإعداد لذلك بحشد من العلماء والمختصين في الإبداع التكنولوجي .
2- ثانيها : وهي التحرك السياسي ، والتصريحات واللقاءات ، والزيارات ، والندوات والمؤتمرات والتهديدات والإغراءات السياسية وحبك المؤامرات وتنفيذ المخططات .
3- ثالثها : وهي الأرضية الهادئة الصامتة ، والمخيفة المرعبة ، والمميتة المدمرة ، وهي التي من أجلها تسخر الظاهرتان الأوليان ، ألا وهي تحرك رأس المال ، والبناء الهيكلي الذي قام عليه صرح النظام الاقتصادي الرأسمالي ، واتخذ شرعة يستحل بها الحرام ويمتص بها الدماء ؛ تقوم عليها إبادة الشعوب ، وسلب ثرواتها ؛ فلا حلال إلا ما أحله الاستثمار والاستعمار ، ولا حرام إلا العوائق التي يحتمل أن تقف في طريق انسياب رأس المال ليدور دورته .

هذه الظاهرة الثالثة هي التي من أجلها تسخر الظاهرتان الأولى والثانية ؛ فويل للعالم من هذا الظلم الفادح المشروع . إن العالم بأسره يئن تحت وطأة أقدام هذا المشرع ، والذي وضع الأسس التي تبتني عليها هيكلية رأس المال ، والذي سخر العالم بأسره ، واستغل القطاعات البشرية ، والثروات الطبيعية ، وتحركت الآلة كلها لتحمي رأس المال هذا ؛ ولتفتح الطريق أمام هذا الأخطبوط ، ليطال بأذرعه كل بقعة من بقاع الأرض . فكان البر والبحر والجو مسارح لهذا الجهاز الضخم الهائل الذي يصب في المحصلة النهائية في جيب المستثمر الأمريكي أو الفرنسي أو الياباني .

انظروا أيها الناس وتأملوا ما هذه الأفاعي التي تنفث السموم القاتلة ؟ حيث لا ينجو منها أي بيت .

1- صندوق النقد الدولي .
2- البنك الدولي .
3- منظمة التجارة الدولية .
4- نادي باريس الدولي .
5- نادي لندن الدولي .
6- نادي نيويورك الدولي .
7- مؤتمر دافوس بسويسرا .
8- مؤتمرات الدول السبع الغنية .
9- صندوق إدارة المال .
10- الأسواق المالية (البورصات) .

فأية واحدة من هذه الرزايا تكفي لأن تلحق الأذى البليغ بالبلد الذي تحل فيه ، أو يرتبط بها ، أو تدمره وتلقي به إلى التهلكة . فكيف بها إذا اجتمعت وتكاتفت بعضها مع بعض ؟ فما مصير العالم ؟ وما سيحل بشعوب العالم ؟
وهذه التجمعات والمؤسسات يقوم عليها حفنة القراصنة الخطرين ، يدورون في حلبة الاقتصاد متكاتفين متعاضدين على اقتناص الفرائس ، وإنزال البلاء والدمار في أية ساحة يحلون بها ، ويتمكنون منها . فنجد أحدهم عضوا في مؤسسة ، ومستشارا في أخرى ، ومديرا لثالثة ، وشريكا في رابعة ، ومندوبا عن خامسة ؛ وهكذا أيديهم متشابكة كأنهم رجل واحد يتحرك بحركة واحدة ولمصلحة واحدة .

إن بناء الاقتصاد الرأسمالي بناء هرمي ، يقوم على أرضية فكرية أنتجتها عقيدة فصل الدين عن الحياة ، هذه الأرضية هي قاعدة الحريات العامة ، فالحرية الاقتصادية هي الخط العريض الذي أصبح أساسا لمختلف النظريات الاقتصادية ، ابتداء من آدم سميث وريكاردو إلى عمالقة المال الذين يمسكون اليوم بيد حديدية أزمّة مختلف القطاعات الاستثمارية ، صناعية وتجارية ، ومشاريع عمرانية وزراعية ، كما يتحكمون في أسواق المال ، يحركونها كما يشاءون ، يتقنون فنون المضاربات في أسواق البورصات ، فهم صيادون مهرة يجيدون مطاردة الفرائس ، ثم اقتناصها وامتصاص دمائها .

وعندما وضع آدم سميث وريكاردو وغيرهما أسس النظريات الاقتصادية ، تناولت هذه النظريات عقول مفكرة متخصصة في دنيا المال ، وأخذت تطورها على أرض الواقع ، ممتطية قوارب السياسة ، فكانوا يكيفون الواقع السياسي كما تمليه مصلحة المال ، وما تتطلبه حرية السوق ، ولو أدى ذلك إلى حرب عالمية . وقد اتخذ الاستعمار طريقة تسهل لهم تحقيق ذلك ، فنجحوا في ذلك إلى أبعد الحدود ، وفرضوا السيطرة العسكرية ، ثم استبدلوها بالسيطرة السياسية والاقتصادية والفكرية ، فكان استعباد الشعوب ، وإذلالها .

كانت فترة ما بين الحربين ، إلى نهاية الحرب الثانية ، فترة مخاض ، أنجبت عدة توائم ، هذه التوائم كانت تشكل منهجا معينا أو مدرسة تخرج منها عمالقة المال أو قراصنة المال ، الذين يتحكمون اليوم بمقدرات العالم بأسره .
الحجم السياسي والعسكري للولايات المتحدة الأمريكية ، اقتضى وجود هذه التوائم ، وفرضت أمريكا الالتزام بقواعدها ، والتقيد بشروطها ، فلا يجوز الخروج عليها . ومن الذي تتملكه الجرأة ليتحداها ؟

حاول كارل ماركس وإنلجز تحدي أسس النظام الاقتصادي الرأسمالي ، فوضع نظرياته الاشتراكية الخيالية ، ثم جاء لينين وستالين فحاولا كسر القيود وتجاوز الحدود التي وضعتها الرأسمالية ، ولكن هيهات . فقاوم ستالين تأسيس صندوق النقد الدولي وباقي المؤسسات الاقتصادية ، ولكن دون جدوى ، وبنت العمالقة ، ووجدت المؤسسات والتجمعات والنوادي والمؤتمرات الاقتصادية والمالية ، وترعرع في ظلها عمالقة المال ، وقراصنة المال ، فكانوا هم المؤسسات بعينها .

والآن :-
1- كيف تجري المضاربات المالية ؟
2- كيف تحدث الهزات في الأسواق المالية ؟
3- كيف يضرب اقتصاد دولة ما ، وتصاب بالانهيار الاقتصادي ؟
4- كيف تعلن بعض المؤسسات إفلاسها ؟

هيكلية المال ، والبناء الاقتصادي ، وحركة الأسواق تقوم على تشابك بين عدة مؤسسات وتجمعات ، تشكل كل واحدة منها ركيزة أساسية من ركائز هذا البناء الهرمي ، الذي يبتدىء بصندوق النقد الدولي ، ثم تأتي شركات المصارف الضخمة ، سواء البنوك الفيدرالية المركزية ، أو البنوك الكبيرة المعتمدة ، وكذلك التجمعات المالية كالنوادي المالية ، وإدارات المؤسسات الاستثمارية .
هذه الهيكلية الهرمية يقوم عليها أشخاص ذوو موهبة فذة في التخطيط لنصب الفخاخ بفتح أسواق للمال (بورصات) يقومون بمضاربات أي مزايدات تبتدىء من خط معين (مؤشر) فيرتفع هذا الخط إذا شاءوا رفعه ، وإلى حد يرون فيه التخمة ، ثم يلجأون إلى لعبة مشروعة يفترضون عندها أمرا مباشرا أو غير مباشر لتنخفض سعر الفائدة عند إحدى البنوك المعتبرة ، أو يجري التخفيض في سعر عملة ما من عملات دول المجال ، وفي الغالب ما يكون ذلك إما بإيعاز من صندوق النقد الدولي أو بتأثير منه . فتبتدىء الكارثة ويتعمق تأثيرها وتتسع وتتمدد ، ويطال لهيبها مناطق عديدة ، فتبتلع بضعة حيتان الملايين من الأسماك الصغيرة ، وكأنها شريعة الغاب .

ولذا كيف تتكون وتنعقد الأسواق على سلع أو خدمات وهمية وتجري المضاربات والمزايدات فيها إما بإشارة باليد أو بمكالمة هاتفية أو عبر فضائيات الإنترنت ، وعلى مبالغ ضخمة تقدر بالمليارات ؟

فهل هذه أسواق حقيقية ؟ وما هي موجوداتها ؟ إنها نوع من المقامرة الذكية الخادعة ، إنها نوع من ممارسة البيع والشراء الوهمية ، وعلى سلع وموجودات وهمية .
فلو كان النظام النقدي في العالم مبنيا على قاعدة نظام الذهب ، لما جرؤ أحد أن يقوم بهذه المضاربات ، ولما عقدت هذه الأسواق ابتداء . فأن يفتح سوق تكون موجوداته المعروضة للبيع والشراء والمضاربات والمزايدات سلعا وهمية هي الأسهم والسندات والأوراق المالية ، وأن يتم ابتياع مال بمال دون أن تجري الصفقات على سلع وبضائع حقيقية ، وأن تكون الصفقات بالملايين والمليارات ، وأن تتم هذه العملية بإشارة باليد أو مكالمة بالتلفون ، وأن يحصل الارتفاع الحاد في الأسعار أو الهبوط الحاد في ساعات أو دقائق فيفشي ويسري كسريان النار في الهشيم هبوطا أو ارتفاعا ، فليس كل هذا إلا تلاعبا قائما على المخادعة والاختلاس ، وليس إلا أساليب النهب والسلب ، لا يصل الناس سواد الناس من كل هذا إلا لهيب يأتي على ما في بيوتهم ومطابخهم ، ونقول الحرية الاقتصادية ، ونقول جهاز الثمن وميكانيكية الثمن ، فالأسواق ملأى بالسلع الحقيقية ، والفقراء يملأون الشوارع ، خاوية أيديهم وبطونهم . ونقول العالم ، ونقول بالمساواة ونقول حقوق الإنسان ، وحقوق الطفل ، وحقوق المرأة ، هل يوجد في كوسوفو والبوسنة والهرسك شيء يسمى حقوق الإنسان أو حقوق الطفل أو حقوق المرأة ؟
هناك ما يسمى :
1- (اقتصاديات المحور) وهي الاقتصاديات الأكثر تقدما وثراء .
2- (اقتصاديات الحدود أو المحيط) وهي الاقتصاديات الأقل تقدما وثراء .
اقتصاديات المحور استفادت كثيرا من الضربات المالية التي أصابت بعض الدول وفي الحقيقة ، فإن اقتصاديات المحور هي التي تخطط كي تحل الضربات باقتصاديات الحدود ، ثم تلتهمها وتبتاعها ، إذ يعترف أغنياء العالم ، وفي مقدمتهم أمريكا ، بأنهم استفادوا من الأزمات التي حلت بالفقراء . وهذا يعني أن الطعام الذي سلب من فقراء تايلاند وأندونيسيا ، تحول إلى سلع مترفة تمتع بها أغنياء أوربا وأمريكا .

وهذا يؤكد الظلم البين للنظام المالي ، والاقتصاد العالمي الذي يهدد بأن يتحول 80% من سكان العالم إلى ناس بؤساء ، لن يمكنهم الحياة إلا بما يمنح لهم من صدقات وتبرعات .

هذا الاعتراف هو من كبير المضاربين العالميين وهو : جورج سوروس ، ليس شفقة على الفقراء ، وإنما هو تنبيه للأغنياء ، أي محاولة لإنقاذ الأغنياء .

هذا الملياردير الكبير يحذر من اتخاذ إجراءات تغلق الأسواق أمام تدفقات ملياراتهم ، مثلما فعل مهاتير محمد في ماليزيا ، بعد الأزمة ، حين أغلق حدود بلاده في وجه تدفق الرساميل الخارجية ، وبذلك نجح في الحد من تأثير الأزمة المالية عليه .

الذي يخشاه هذا المضارب الكبير (جورج سورس) هو إغلاق الحدود ، باعتباره مضاربا يكسب من تحريك العملات والأسهم والسندات عبر الحدود بين دول العالم المتخلفة ، حتى على الورق أو على شاشات الكمبيوتر . وإغلاق الحدود معناه أن يصاب بالشلل ، ويتعرض لضربات مالية .

يوصي هذا الملياردير وبإلحاح إلى بذل جهد كبير في مساعدة (دول الأزمة) على التخفيف من معاناتها . والأهم وضع بعض القواعد التي تضمن تدفق رؤوس الأموال عبر دول العالم بحرية ، وتضمن عدم إغلاق الحدود القومية في وجهها .

يقترح أن الاختيار ينحصر : إما في تنظيم الأسواق بشكل عالمي ، أو تركها لكل دولة على حدة لكي تحمي مصالحها ؛ وهو ما سيؤدي إلى انهيار النظام المالي العالمي ، الذي يمرح في أرجائه المضاربون ، ويحققون أرباحا ومليارات الدولارات .
إذن يقترح إقامة مؤسسة تأمين دولية برأسمال قدره (150) مليار دولار لمساعدة دول الأزمات المالية ، واقتراح آخر بإعادة تنظيم النظام البنكي .

هذا الرجل (جورج سورس) صاحب كتاب (الرأسمالية العالمية في أزمة) وصفته إحدى الصحف بأنه الرجل الذي يحرك الأسواق في العالم ، يحذر في كتابه هذا الذي لاقى رواجا عظيما ، يحذر من انهيار النظام الاقتصادي العالمي ، إذا لم يتم تنظيم الأسواق المالية بشكل عالمي ، حتى يضمن عدم قيام الدول المتخلفة بإغلاق حدودها أمام تدفقات رؤوس الأموال ، لتحمي نفسها من آثار الأزمة التي أمسكت بعنق نمور آسيا وروسيا ثم دول أمريكا اللاتينية ، وقد تزحف إلى أوربا وأمريكا .
تفتحت الأبواب على مصاريعها في ظل العولمة في البلدان المتقدمة ، وارتفعت كتلة الأموال والمدخرات (بلا حدود) وهي التي تتم بها المخاطرة والمضاربة في أسواق المال وراء (التكاثر المالي) هذا التكاثر الذي حصل انفصام حاد بينه وبين التراكم الإنتاجي ، والذي أصبح سمة مميزة للتطور الرأسمالي الحديث في ظل صعود (رأس المال الحالي) واتساع شركات السمسرة والوساطة المالية ، وصناديق الاستثمار ، وصناديق التحوط .

والذي أعطى دفعة قوية لعمليات العولمة المالية خلال الثمانينات والتسعينات هو أن 38% من مدخرات وثروات القطاع العائلي في الولايات المتحدة و 56% من أموال صناديق التأمينات والمعاشات مستثمرة في أسهم وأوراق مالية .
إن حرية التجارة التي سارت لقرون طويلة في مجال السلع والخدمات الحقيقية ، لا تكفي وحدها لخلق نظام اقتصادي (معولم) فالعولمة في مسيرة التطور الرأسمالي المعاصر ، لا يكون امتدادها وحركتها وتأثيرها ، في الأموال والاقتصاديات الثابتة غير المتحركة ؛ فالأرض والعقارات ، والموارد الطبيعية غير قابلة للانتقال ، فضلا عن صعوبات جمة تواجه التنقلية الكاملة للبشر ، فيما بين البلدان المختلفة ، لذا تصبح حركة وحرية انتقال رأس المالي وتدفق المعلومات ، وحركة المنظمين ، ورجال الأعمال هي التي تكسب الرأسمالية سمة العولمة في صورتها الراهنة .

المواجهة العسكرية بمعناها الحقيقي ، أي بمستوى الاستراتيجية النووية ، وبحجم المخزون النووي والصاروخي ، قد انتهت ، فلا مكان لها الآن . فالأطراف التي كانت تتزاحم على المصالح ، وتتسابق على اقتعاد مركز الدولة الأولى ، هذه الأطراف المؤهلة للتسابق والمزاحمة لم يبق لها وجود .

لكن الذي بقي هو الأخطر من ذلك على المجموعات البشرية ، ألا وهو استطالة رأس المال ، وضخامة رأس المال ، واختراقه الحصون والقلاع ، وتحويلها إلى أكواخ لا تقي حر الصيف ، ولا برد الشتاء .

قضايا العالم الاقتصادية ، تتمثل في تجمعات سكانية تعتمد على روابط تقليدية ، ولكنها تعالج سياسيا ، وهذه القضايا هي :
1- قضية الشرق الأوسط .
2- قضية الشرق الأقصى .
3- قضية القارة الأفريقية .
4- قضية أوربا شرقيها وغربيها .

هذه القضايا التقليدية التي وجدت بموجب التجمع السكاني والتقاء المصالح الحدودية ، وتداخل العلاقات المشتركة التي تفرضها جغرافية المنطقة قد ظهرت بحجوم مختلفة ، فكانت النظرة إليها تختلف كل واحدة عن الأخرى ، وعلاجها ليس بالتساوي كل واحدة بشكل الأخرى .
هذه الهيكلية الاقتصادية القديمة ، لا تتلاءم مع الوضع الجديد في العالم ، والذي من أجله وضعت قوانين الخصخصة والعولمة . أي إن هناك اختراقا جديدا ومزعجا للهيكلية القديمة ، فهذه الهيكلية التقليدية قد اخترقت ، وبدأ العد التنازلي لنقضها وتذويبها .

وحيث إنها هياكل قامت بحسب التقسيمات السكانية ، كان الأجدر ، أن يحل محلها الهياكل الدولية التي تأسست بمرسوم دولي ، مثل منظمة التجارة الدولية الحرة ، التي وقع على بنودها ورضي بشروطها (134) دولة وهذا صندوق النقد الدولي ، وقد وقع عليه كافة دول مجموعة هيئة الأمم المتحدة ، عدا المجموعة الاشتراكية باستثناء رومانيا ، وهذا البنك الدولي ، فقد أعطي صلاحياته مع قرارات تصفية الحرب العالمية الثانية ، وقد ساهمت فيه جميع الدول المشتركة في صندوق النقد الدولي .

قلنا إن تحركات رأس المال هي أخطر من انقضاض الصواريخ وهذه الخطورة متمثلة في ما يسمى امبراطوريات رأس المال ، التي وجدت الدول الرأسمالية لحمايتها ، وعلى رأس هذه الدول أمريكا تليها بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان ، فهذه الدول المذكورة ، إنما هي قائمة بهذه الامبراطوريات ، فهي مسخرة لحمايتها وتسهيل السبل لها ، وفتح أبواب العالم أمامها .

في جزيرة مالطة الصغيرة التي تقع في الجهة الغربية للبحر المتوسط ، عقد الرئيسان الأمريكي ريغان ، والروسي غورباتشوف ، اجتماعا جرى التوقيع فيه على إنهاء الحرب الباردة ، وبهذا التوقيع كان غورباتشوف قد وقع على شهادة الوفاة للاتحاد السوفيتي .

انتهت الحرب الباردة لتحل محلها حرب ساخنة ، ولكن على نار هادئة ؛ فهي ساخنة ، ولهدوء النار التي تحركها لا يشعر بسخونتها ، إلا الأطراف المعنية بها ، هذه الحرب الجديدة هي الحرب الاقتصادية ، حرب المال ، تناطح الشركات ، المزاحمة على الأسواق ؛ فقد عمد الساسة المعنيون بهذا الأمر إلى اتخاذ إجراءات ، وإيجاد مؤسسات دولية ، وتفعيل قوانين المنظمات الاقتصادية الدولية ، لفتح الأبواب ، وكسر الحواجز لينساب رأس المال بحرية ، ودون أية عوائق ، وتمهد له السبل ليدخل فاتحا يلقى الترحيب . ولكنه ينساب انسياب الثعبان ، يحمل في جوفه سما ناقعا ، وإن كان عام الملمس . وهكذا يتنقل من قطر إلى قطر ، ومن قارة إلى قارة .

ساعد على تلك التغيرات والتحولات الهائلة التي ظهرت في مجال حركة الأموال الكبيرة ، وفي ظل العولمة الجديدة ، التوسع المذهل في شبكة الاتصالات الإلكترونية ، التي سهلت عملية إعادة تدوير الأموال ، خاصة (رؤوس الأموال قصيرة الأجل) بين جميع أرجاء العالم ، على الأربع والعشرين ساعة . إذ أن تلك الأموال تتحرك بسرعة تقترب من سرعة الضوء ، ما بين نيويورك ، زيورخ ، لندن ، طوكيو ، وغيرها من المراكز المالية المتقدمة ، حيث لم يعد للمال أية هوية وطنية محددة ، مثل شركة (الاستثمار الأمريكية فيما وراء البحار) حيث لها استثمارات في (144) دولة.
لقد وجدت الشركات متعددة الجنسية ، وفتحت الأسواق على مصاريعها (حرية السوق) وكانت العولمة هي الثوب الفضفاض ، الواسع الأطراف الذي تتجلى به العروس ليلة زفافها ، ثم بدأ تفعيل قوانين المؤسسات الدولية ، وتفعليها يعني توجيه الضربة القاضية للتنظيمات والتجمعات الاقتصادية الإقليمية التقليدية . وهذه الإجراءات الجديدة أخذت تشق طريقها إلى النجاح ، فبدأت الضربات تتتالى على هذه التنظيمات ، وبدأت تهتز ويظهر عليها التفسخ والهزال ، وبعضها الآن يترنح ، وسقوطه سيتم بين عشية وضحاها ، مهما قيل إن بعضها أخذ يسترد عافيته ، وذلك مثل دول جنوب شرق آسيا وروسيا .

لقد اتسعت الهوة بين حرية التجارة الدولية في السلع الحقيقية والخدمات من ناحية ، وحركة الأموال والعملات المتحركة بسرعات مذهلة من ناحية أخرى . ففي عام 1995 على سبيل المثال بلغ حجم الاتجار في العملات نحو (1.2) ترليون دولار في اليوم الواحد ، وهو رقم يشكل نحو خمسين ضعفا من قيمة التجارة الدولية في السلع والخدمات الحقيقية .

نعم لقد بدأت الضربات توجه إلى التنظيمات والتجمعات الإقليمية التقليدية ؛ وقد ظهر تأثيرها في مجموعة دول جنوب شرق آسيا سنة 1997 . فالانهيار الفظيع الذي لحق باقتصاد هذه الدول ، والاختلال الكبير في ميزانها التجاري ، وفي ميزان مدفوعاتها ، ظهرت نتائجه للعيان ، وتلا ذلك الانهيار الفظيع في الاقتصاد الروسي ، فروسيا الآن تعاني المعاناة المرة مما أصاب اقتصادها ، وعملتها ، وميزانيتها ، الأمر الذي أوصلها إلى حافة الموت . ثم تلتها البرازيل ، وهي البلد الأقوى في دول أمريكا اللاتينية ، ولا يزال اقتصاد البرازيل في غرفة الإنعاش .
فدول جنوب شرق آسيا ، وأمريكا اللاتينية ، وروسيا ، يشكل اقتصادها نصف الاقتصاد العالمي ، قد أصيب بنكسات وضربات قاتلة ، وأخذ الذوبان يظهر على هذه التنظيمات جراء تفعيل قوانين صندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي ، ومنظمة التجارة الدولية ، ثم تبعها تفعيل قوانين الخصخصة والعولمة .

والآن بدأت تسدد الضربات إلى منظمة السوق الأوربية والاتحاد الأوربي ؛ وقد اضطلع بهذا الدور حلف الأطلسي ، لأن أوربا ، لا بد أن تضرب من داخلها ، أي تضرب نفسها بنفسها ، كما تخطط لذلك الولايات المتحدة الأمريكية .

ومن كان يظن في يوم من الأيام أن يكون حلف الأطلسي الذي وجد لحماية أوربا ، وتوفير الأمن لها ، أن يكون هو الأداة التي تغل بها قوة أوربا السياسية ، وهو الأداة التي يضرب بها الاقتصاد الأوربي ؟

فالاتحاد الأوربي قد عقد مؤتمر الشراكة في بنكوك مع عشر دول من جنوب شرق آسيا ، وهو مؤتمر اقتصادي كان مغلقا أمام أمريكا وروسيا . كما عقد الاتحاد مؤتمر الشراكة في برشلونة مع اثنتي عشرة دولة من دول الجوار للمتوسط ، وكذلك كان مغلقا أمام أمريكا وروسيا .

وهذه أمريكا الآن قد اقتحمت حصون الاتحاد بحلف الأطلسي ، واخترقت قوانينه وأنظمته ، بتفعيل قوانين منظمة التجارة الحرة ، إضافة إلى الإجراءات المضادة بفرضها جمارك على مستورداتها من دول الاتحاد بنسبة 100% ووضع الاتحاد أمام محكمة منظمة التجارة الدولية لإدانته .

أما منظمة السوق العربية المشتركة ، فلا قيمة لها ، ولا وزن لها ، وتكاد تكون لا وجود لها ، مثلها مثل منظمة السوق الإفريقية . وأما منظمة الأوبك فهي الآن تحت رحمة المضاربات والمزايدات المالية العالمية ، فهي لا تملك اتخاذ أي قرار .
بعد هذا كله ، برزت دوائر المال ، ومؤسسات المال ؛ وتفتحت الأسواق ، وبدأت التجارة بالمال في أسواق البورصات وارتفع لهيب المضاربات والصفقات الضخمة ، التي تجاوزت كل التقديرات ، وكل الحدود ، حتى أصبحت هي نفسها خطرا على هذا النظام الرأسمالي المخيف ، أي سيتحطم هذا النظام بيد أصحابه وعلى رؤوسهم . وسوف لا تفيد توجيهات عالم الاقتصاد الأمريكي (كنز) في التدخل دوليا لوضع القيود وفرض القوانين والرقابة على هذا الانقلاب لرؤوس الأموال الهائلة . فهذه كبرى الشركات المالية لإدارة المخاطر في الأصول المالية في الولايات المتحدة المسماة (LTCM) إدارة رأس المال طويلة الأجل ، قد انهارت . وكانت هذه الشركة تتعامل في محافظ مالية بحدود (200) مليار دولار أمريكي ، وأصبحت على حافة الإفلاس ، وهي الشركة (النجم) على الصعيد العالمي .

وتفعيل قوانين المنظمات الدولية المالية ، يكرس الآن ، لرفع القيود ، وفتح الحدود وإعطاء الحرية الكاملة لانسياب رؤوس الأموال الضخمة ، دخولا وخروجا ، لتنهب وتخرب وتمتص الدماء .

لكن في هذا مقامرة ، يمكن الوقوف أمام تنفيذها واستمرارها ، ويمكن عرقلتها وإيقافها ، ويمكن كسرها وتحطيمها ، فتصبح هذه الأموال المتحركة كالنار ، تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله ، وهذا نذير من النذر المتعددة باقتراب أجل النظام الرأسمالي ، وشربه الكأس الذي شربه الاتحاد السوفيتي من زمن قريب .

( انتهى )

ليست هناك تعليقات: