الجمعة، 6 مارس 2009

ما هو حزب التحرير

حِزبُ التحرير







تأسَسَ سَنة 1372 هـ - 1953 مـ



















بِسْمِ الله الرَّحمَنِ الرَحيمِ



} وَلتكنْ مِنكُم أمَّة يَدعون إلى الخَيْر ويأمُرونَ بالمعروفِ وَينهَونَ عن المنكَرِ وَأوْلئكَ هُمُ المفْلحونَ {

صَدَقَ الله العَظيمْ













بِسْمِ الله الرَّحمَنِ الرَحيمِ






حزب التحرير



هو حزب سياسي مبدؤه الإسلام. فالسياسة عمله، والإسلام مبدؤه، وهو يعمل بين الأمة ومعها لتتخذ الإسلام قضية لها، وليقودها لإعادة الخلافة والحكم بما أنزل الله إلى الوجود.

وحزب التحرير هو تكتل سياسي، وليس تكتلاً روحياً، ولا تكتلاً علمياً، ولا تعليمياً، ولا تكتلاً خيرياً، والفكرة الإسلامية هي الروح لجسمه، وهي نواته وسرّ حياته.



2 - أسباب قيام حزب التحرير



ان قيام حزب التحرير كان استجابة لقوله تعالى: { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون }. بغية إنهاض الأمة الإسلامية من الانحدار الشديد، الذي وصلت إليه وتحريرها من أفكار الكفر وأنظمته وأحكامه، ومن سيطرة الدول الكافرة ونفوذها.

وبغية العمل لإعادة دولة الخلافة الإسلامية إلى الوجود، حتى يعود الحكم بما أنزل الله.

وجوب قيام أحزاب سياسية شرعاً:

l أما كون قيام الحزب كان استجابة لقوله تعالى: { ولتكن منكم أمة } فلأن الله سبحانه قد أمر المسلمين في هذه الآية أن تكون منهم جماعة متكتلة، تقوم بأمرين أثنين:

الأول : الدعوة إلى الخير، أي الدعوة إلى الإسلام.

والثاني: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

وهذا الأمر بإقامة جماعة متكتلة هو لمجرد الطلب، لكن وجدت قرينة تدل على أنه طلب جازم فالعمل الذي حددته الآية لتقوم به هذه الجماعة المتكتلة - من الدعوة إلى الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - هو فرض على المسلمين أن يقوموا به، كما هو ثابت في كثير من الآيات والأحاديث الدالة على ذلك، قال عليه السلام " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم " فيكون ذلك قرينة على أن الطلب هو طلب جازم، والأمر فيه للوجوب.

l أما كون هذه الجماعة المتكتلة تكون حزباً سياسياً فجاء من ناحية أن الآية طلبت من المسلمين أن يقيموا منهم جماعة، ومن ناحية تحديد عمل هذه الجماعة بأنه الدعوة إلى الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وعمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شامل لأمر الحكّام بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، بل هو أهم أعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو محاسبة الحكام، وتقديم النصح لهم، وهذا عمل سياسي، بل هو من أهم الأعمال السياسية، وهو من أبرز أعمال الأحزاب السياسية.

وبذلك تكون الآية دالة على وجوب قيام أحزاب سياسية.

غير أن الآية حصرت أن تكون التكتلات أحزاباً إسلامية، لأن المهمة التي حددتها الآية والتي هي - الدعوة إلى الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وفق أحكام الإسلام - لا يقوم بها إلا تكتلات وأحزاب إسلامية.

والحزب الإسلامي هو الذي يقوم على العقيدة الإسلامية، ويتبنى الأفكار والأحكام والمعالجات الإسلامية، وتكون طريقة سيره هي طريقة الرسول r.

ولهذا لا يجوز أن يكون التكتل بين المسلمين على غير أساس الإسلام فكرة وطريقة. لأن الله أمرهم بذلك، ولأن الإسلام هو وحده المبدأ الصالح في هذا الوجود، فهو مبدأ عالمي يتفق مع الفطرة، ويقوم على معالجة الإنسان من حيث هو إنسان، فيعالج طاقاته الحيوية من غرائز وحاجات عضوية، وينظمها وينظم إشباعها تنظيماً صحيحاً، دون كبت أو إطلاق، ودون أن تطغى غريزة على غريزة، وهو مبدأ شامل ينظم شؤون الحياة جميعها.

l وقد ألزم الله سبحانه المسلمين أن يتقيدوا بأحكام الإسلام جميعها، سواء أكانت تنظم علاقاتهم بخالقهم، كأحكام العقائد والعبادات، أو بأنفسهم كأحكام الأخلاق والمطعومات والملبوسات أو بغيرهم كأحكام المعاملات والتشريعات.

وأوجب عليهم أن يطبقوا الإسلام تطبيقاً شاملاً في جميع شؤون الحياة، وأن يحكموا به، وأن يكون دستورهم وسائر قوانينهم أحكاماً شرعية مأخوذة من كتاب الله وسنة رسوله. قال تعالى: { فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق }، وقال: { وان احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم وأحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك } واعتبر عدم الحكم بالإسلام كفراً، قال تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون }.

وغير الإسلام من المبادئ الأخرى كالرأسمالية والشيوعية ومنها الاشتراكية هي مبادئ فاسدة، تتناقض مع فطرة الإنسان، وهي من وضع البشر، وقد بان فسادها، وظهر عوارها وهي تتناقض مع الإسلام وأحكامه، فأخذها حرام وحملها والدعوة إليها حرام، والتكتل على أساسها حرام.

لهذا يجب أن يكون تكتل المسلمين على أساس الإسلام وحده فكرة وطريقة، ويحرم عليهم أن يتكتلوا على أساس رأسمالي أو شيوعي أو اشتراكي، أو قومي أو وطني أو طائفي أو ماسوني، لذلك فإنه يحرم عليهم إقامة أحزاب شيوعية أو اشتراكية أو رأسمالية أو قومية أو وطنية أو طائفية أو ماسونية، ويحرم عليهم الانتساب إليها، أو الترويج لها فهي أحزاب كفر وتدعو إلى الكفر، والله يقول: { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } والآية التي معنا تقول { يدعون إلى الخير } أي إلى الإسلام، والرسول r يقول " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ " ويقول " من دعا إلى عصبية فليس منا ".

l أما إنهاض الأمة الإسلامية من الانحدار الذي وصلت إليه، وتحريرها من أفكار الكفر وأنظمته وأحكامه، ومن سيطرة الدول الكافرة ونفوذهم، فإنه يكون برفعها فكرياً عن طريق تغيير الأفكار والمفاهيم التي أدت إلى انحطاطها تغييراً أساسياً شاملاً، وإيجاد أفكار الإسلام ومفاهيمه الصحيحة لديها، حتى تكيف سلوكها في الحياة وفق أفكار الإسلام وأحكامه.

وان الذي أدى إلى هذا الانحدار الفظيع، وغير اللائق الذي وصلت إليه الأمة هو الضعف الشديد الذي طرأ على أذهان المسلمين في فهم الإسلام وأدائه، من جرّاء عوامل التغشية على فكرة الإسلام وطريقته منذ القرن الثاني الهجري حتى الآن.

وعوامل التغشية هذه نتجت عن أمور كان من أبرزها:


نقل الفلسفات الهندية والفارسية واليونانية ومحاولة بعض المسلمين التوفيق بينها وبين الإسلام مع وجود التناقض التام بينهما.


دسُّ الحاقدين على الإسلام أفكاراً وأحكاماً ليست من الإسلام لتشويهه وإبعاد المسلمين عنه.


إهمال اللغة العربية في فهم الإسلام وأدائه، وفصلها عن الإسلام في القرن السابع الهجري مع أن دين الله لا يفهم بغير لغته، كما أن استنباط أحكام جديدة للوقائع المتجددة عن طريق الاجتهاد لا يتأتى بدون اللغة العربية.


الغزو التبشيري والثقافي ثمّ السياسي من الدول الغربية الكافرة من القرن السابع عشر الميلادي لحرف المسلمين عن الإسلام وإبعادهم عنه، بغية القضاء عليه.

l لقد قامت محاولات عديدة، وحركات متعددة، إسلامية وغير إسلامية، لإنهاض المسلمين لكنها قد أخفقت جميعها، ولم تستطع أن تنهض المسلمين، ولا أن تحول دون الانحدار الفظيع.


أما سبب إخفاق هذه المحاولات والحركات التي قامت لإنهاض المسلمين بالإسلام فيرجع إلى عدة أمور:

عدم فهم الفكرة الإسلامية من قبل القائمين على إنهاض المسلمين فهماً دقيقاً لتأثرهم بعوامل التغشية، وكانوا يدعون إلى الإسلام بشكل عام مفتوح، دون تحديد للأفكار والأحكام التي يريدون إنهاض المسلمين، ومعالجة مشاكلهم بها، وتطبيقها، لعدم وضوح هذه الأفكار والأحكام في أذهانهم، وجعلوا الواقع مصدراً لتفكيرهم، يستمدون منه تفكيرهم، وحاولوا أن يؤولوا الإسلام ويفسروه بما لا تحتمله نصوصه حتى يتفق مع الواقع القائم، مع أنه مناقض للإسلام، ولم يجعلوا الواقع موضع تفكيرهم، ليغيروه حسب الإسلام وأحكامه.

لذلك نادوا بالحريات والديمقراطيات، وبالنظام الرأسمالي والاشتراكي، واعتبروها من الإسلام، مع أنها تتناقض مع الإسلام تناقضاً كلياً.

2 - عدم وضوح طريقة الإسلام لديهم في تنفيذ فكرة الإسلام وأحكامه وضوحاً تاماً، فحملوا الفكرة الإسلامية بوسائل مرتجلة، وبشكل يكتنفه الغموض وصاروا يرون أن عودة الإسلام تكون ببناء المساجد وإصدار المؤلفات، أو بإقامة الجمعيات الخيرية والتعاونية، أو بالتربية الخلقية وإصلاح الأفراد، غافلين عن فساد المجتمع، وسيطرة أفكار الكفر وأحكامه وأنظمته عليه، ظانين أن إصلاح المجتمع يكون بإصلاح أفراده، مع أن إصلاح المجتمع إنما يكون بإصلاح أفكاره ومشاعره وأنظمته وإصلاحها سيؤدي إلى إصلاح أفراده، فالمجتمع ليس أفراداً فقط، وإنما هو أفراد وعلاقات، أي أفراد وأفكار ومشاعر وأنظمة، كما عمل رسول الله r لتغيير المجتمع الجاهلي إلى مجتمع إسلامي، إذ أخذ يعمل على تغيير العقائد الموجودة بأفكار العقيدة الإسلامية، وعلى تغيير الأفكار والمفاهيم والعادات الجاهلية بأفكار الإسلام ومفاهيمه وأحكامه، ومن ثم تغيير مشاعر الناس من الارتباط بعقائد الجاهلية وأفكارها وعاداتها، إلى الارتباط بالعقيدة الإسلامية، وأفكار الإسلام وأحكامه، حتى قيض الله له أن يغير المجتمع في المدينة، حيث أصبحت جمهرة أهل المدينة تدين بعقيدة الإسلام، وتتبنى أفكار الإسلام ومفاهيمه وأحكامه، وعندها هاجر رسول الله r إليهم هو وأصحابه بعد حصول بيعة العقبة الثانية، وأخذ يطبق عليهم أحكام الإسلام، وبذلك أوجد المجتمع الإسلامي في المدينة.



أو بالأعمال المادية، وحمل السلاح غير مفرقين بين دار الإسلام ودار الكفر، وبين كيفية حمل الدعوة وإنكار المنكر في كل دار منهما، والدار التي نعيش فيها اليوم هي دار كفر لأنها تطبق أحكام الكفر، وهي تشبه مكة أيام بعثة الرسول، ويكون حمل الدعوة فيها بالدعوة والأعمال السياسية لا بالأعمال المادية، كما حمل الرسول الدعوة في مكة، إذ اقتصر على حمل الدعوة، ولم يستعمل الأعمال المادية، لأنه ليس المراد تغيير حاكم حَكَمَ بغير ما أنزل الله في دار إسلام، بل المراد تغيير دار كفر بأفكارها وأنظمتها، وتغييرها يكون بتغيير الأفكار والمشاعر والأنظمة فيها، كما فعل رسول الله r في مكة.

l أما دار الإسلام التي يحكم فيها بما أنزل الله، فإنه لو قام حاكمها، وحكم بالكفر الصراح، فيجب على المسلمين أن ينكروا عليه ذلك، وأن يحاسبوه ليرجع إلى الحكم بالإسلام، فإن لم يرجع، وجب عليهم حمل السلاح في وجهه ليرغموه على أن يعود إلى الحكم بما أنزل الله، كما ورد في حديث عبادة بن الصامت " وان لا ننازع الأمر أهله إلاّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان " وحديث عوف بن مالك الذي رواه مسلم " قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف ؟ فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة " وإقامة الصلاة كناية عن الحكم بالإسلام. وهذان الحديثان هما في محاسبة الحاكم المسلم في دار الإسلام، وفي بيان كيف تكون محاسبته، ومتى تستعمل القوة المادية معه لمنع ظهور الكفر البواح في دار الإسلام، بعد أن لم يكن.

l أما بغية العمل لإعادة دولة الخلافة والحكم بما أنزل الله إلى الوجود، فلأن الله سبحانه وتعالى قد أوجب على المسلمين التقيد بجميع الأحكام الشرعية، وأوجب عليهم الحكم بما أنزل الله، ولا يتأتى ذلك إلا بوجود دولة إسلامية، وخليفة يطبق على الناس الإسلام.

والمسلمون منذ أن قضي على دولة الخلافة في الحرب العالمية الأولى يعيشون بدون دولة إسلامية، وبدون الحكم بالإسلام، لذلك كان العمل لإعادة الخلافة، وإعادة الحكم بما أنزل الله إلى الوجود فرضاً حتمياً، يوجبه الإسلام، وهو واجب محتم، لا خيار فيه، ولا هوادة في شأنه، والتقصير في القيام به من أكبر المعاصي، يعذب الله عليه أشد العذاب، قال عليه الصلاة والسلام " ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية "، ولأن القعود عنه هو قعود عن القيام بفرض من أهم فروض الإسلام إذ يتوقف عليه إقامة أحكام الإسلام، بل يتوقف عليه إيجاد الإسلام في معترك الحياة، وما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب.

لهذا قام حزب التحرير، وجعل تكتله قائماً على العقيدة الإسلامية، وتبنى من أفكار الإسلام وأحكامه ما يلزمه في السير لتنفيذ غايته، وقد تلافى جميع النواقص والأسباب التي أدت إلى إخفاق التكتلات التي قامت لإنهاض المسلمين بالإسلام، فأدرك الفكرة والطريقة إدراكاً فكرياً دقيقاً مما نزل به الوحي من كتاب الله وسنة رسوله، ومما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس، وجعل الواقع موضع تفكيره ليغيره وفق أحكام الإسلام والتزم طريقة الرسول r في سيره في حمل الدعوة والسير بها في مكة حتى أقام الدولة في المدينة، وجعل الرابط الذي يربط بين أفراده هو العقيدة وما تبناه من أفكار الإسلام وأحكامه.

وبذلك كان جديراً بأن تحتضنه الأمة، وأن تسير معه، بل انه واجب عليها أن تحتضنه وأن تسير معه لأنه الحزب الوحيد الهاضم لفكرته، المبصر لطريقته الفاهم لقضيته، الملتزم بترسم سيرة الرسول r دون حيد عنها، ودون أن يثنيه ثان عن تحقيق غايته.




غاية حزب التحرير



هي استئناف الحياة الإسلامية، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم. وهذه الغاية تعني إعادة المسلمين إلى العيش عيشاً إسلامياً في دار إسلام، وفي مجتمع إسلامي، بحيث تكون جميع شؤون الحياة فيه مسيره وفق الأحكام الشرعية، وتكون وجهة النظر فيه هي الحلال والحرام في ظل دولة إسلامية، التي هي دولة الخلافة، والتي ينصب المسلمون فيها خليفة يبايعونه على السمع والطاعة على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله، وعلى أن يحمل الإسلام رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد.

والحزب يهدف إلى إنهاض الأمة النهضة الصحيحة، بالفكر المستنير، ويسعى إلى أن يعيدها إلى سابق عزّها ومجدها، بحيث تنتزع زمام المبادرة من الدول والأمم والشعوب، وتعود الدولة الأولى في العالم، كما كانت في السابق، تسوسه وفق أحكام الإسلام.

كما يهدف إلى هداية البشرية، وإلى قيادة الأمة للصراع مع الكفر وأنظمته وأفكاره، حتى يعم الإسلام الأرض.




العضوية في حزب التحرير



يضم الحزب إلى عضويته الرجال والنساء من المسلمين، بقطع النظر عن كونهم عرباً أم غير عرب بيضاً أم سوداً، فهو حزب لجميع المسلمين، ويدعو جميع المسلمين لحمل الإسلام وتبني أنظمته بقطع النظر عن قومياتهم وألوانهم ومذاهبهم، إذ ينظر إلى الجميع نظرة الإسلام.

وطريقة ربط الأشخاص فيه تكون باعتناق العقيدة الإسلامية، والنضج في الثقافة الحزبية، وتبني أفكار الحزب وآرائه، والشخص نفسه هو الذي يفرض نفسه على الحزب، حين ينصهر فيه، وحين تتفاعل الدعوة معه، ويتبنى أفكاره ومفاهيمه، فالرابط الذي يربط بين أفراد الحزب هو العقيدة الإسلامية والثقافة الحزبية المنبثقة عن هذه العقيدة. وحلقات النساء فيه مفصولة عن حلقات الرجال، ويشرف على حلقات النساء الأزواج، أو المحارم، أو النساء.



5 ـ عمل حزب التحرير



عمل حزب التحرير هو حمل الدعوة الإسلامية، لتغيير واقع المجتمع الفاسد وتحويله إلى مجتمع إسلامي، بتغيير الأفكار الموجودة فيه إلى أفكار إسلامية، حتى تصبح رأياً عاماً عند الناس ومفاهيمهم تدفعهم لتطبيقها والعمل بمقتضاها، وتغيير المشاعر فيه حتى تصبح مشاعر إسلامية ترضى لما يرضي الله وتثور وتغضب لما يغضب الله، وتغيير العلاقات فيه حتى تصبح علاقات إسلامية تسير وفق أحكام الإسلام ومعالجاته.

وهذه الأعمال التي يقوم بها الحزب هي أعمال سياسية، إذ الحزب يرعى فيها شؤون الناس وفق الأحكام والمعالجات الشرعية، لأن السياسة هي رعاية شؤون الناس بأحكام الإسلام ومعالجاته.

ويبرز في هذه الأعمال السياسية تثقيف الأمة بالثقافة الإسلامية لصهرها بالإسلام، وتخليصها من العقائد الفاسدة والأفكار الخاطئة، والمفاهيم المغلوطة، ومن التأثر بأفكار الكفر وآرائه.

كما يبرز في هذه الأعمال السياسية، الصراع الفكري والكفاح السياسي.

أما الصراع الفكري فيتجلى في صراع أفكار الكفر وأنظمته، كما يتجلى في صراع الأفكار الخاطئة والعقائد الفاسدة والمفاهيم المغلوطة، ببيان فسادها، وإظهار خطئها، وبيان حكم الإسلام فيها.

أما الكفاح السياسي فيتجلى في مصارعة الكفار المستعمرين، لتخليص الأمة من سيطرتهم وتحريرها من نفوذهم، واجتثاث جذورهم الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية، والعسكرية وغيرها من سائر بلاد المسلمين.

كما يتجلى في مقارعة الحكام، وكشف خياناتهم للأمة، ومؤامراتهم عليها، ومحاسبتهم والتغيير عليهم إذا هضموا حقوقها، أو قصروا في أداء واجباتهم نحوها، أو أهملوا شأناً من شؤونها، أو خالفوا أحكام الإسلام.

فعمل الحزب كله عمل سياسي، سواء كان خارج الحكم أم كان في الحكم، وليس عمله تعليمياً فهو ليس مدرسة، كما أن عمله ليس وعظاً وإرشاداً، بل عمله سياسي تعطى فيه أفكار الإسلام وأحكامه ليعمل بها ولتحمل لإيجادها في واقع الحياة والدولة.

والحزب يحمل الإسلام ليصبح هو المطبق، وتصبح عقيدته هي أصل الدولة، وأصل الدستور والقوانين فيها. لأن عقيدة الإسلام هي عقيدة عقلية، وهي عقيدة سياسية انبثق عنها نظام يعالج مشاكل الإنسان جميعها سياسية كانت أم اقتصادية، ثقافية أم اجتماعية، أم غيرها.




مكان عمل حزب التحرير



مع أن الإسلام مبدأ عالمي، إلا أنه ليس من طريقته أن يعمل له من البدء بشكل عالمي، بل لا بد أن يدعى له عالمياً، وأن يجعل مجال العمل له في قطر أو أقطار حتى يتمركز فيها فتقوم الدولة الإسلامية.

ان العالم كله مكان صالح للدعوة الإسلامية، غير انه لما كانت البلاد الإسلامية يدين أهلها بالإسلام كان لا بد أن تبدأ الدعوة فيها، ولما كانت البلاد العربية، التي هي جزء من البلاد الإسلامية تتكلم اللغة العربية، التي هي لغة القرآن والحديث، والتي هي جزء جوهري من الإسلام وعنصر أساسي من عناصر الثقافة الإسلامية كانت أولى البلاد بالبدء في حمل هذه الدعوة هي البلاد العربية.

وقد كان بدء نشوء الحزب، وحمله الدعوة في بعض البلاد العربية، ثم أخذ يتوسع في حمله للدعوة توسعاً طبيعياً، حتى أصبح يعمل في كثير من الأقطار العربية، وفي بعض الأقطار الإسلامية غير العربية.




التبني في حزب التحرير



بعد الدراسة والفكر والبحث لواقع الأمة، وما وصلت إليه، ولواقع عصر الرسول r، وعصر الخلفاء الراشدين وعصر التابعين من بعده، وبالرجوع إلى سيرة الرسول r وكيفية حمله الدعوة منذ بدأ حتى وصل إلى إقامة الدولة في المدينة، ثم دراسة كيفية سيره في المدينة، وبالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله، وإلى ما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس، وبالاستنارة بأقوال الصحابة والتابعين، وأقوال الأئمة المجتهدين، بعد كل ذلك تبنى حزب التحرير أفكاراً وآراءً وأحكاماً تتعلق بالفكرة والطريقة، وهي أفكار وآراء وأحكام إسلامية ليس غير، وليس فيها أي شيء غير إسلامي، ولا تتأثر بأي شيء غير إسلامي، بل هي إسلامية فحسب، لا تعتمد غير أصول الإسلام ونصوصه. ويعتمد الحزب فيها على الفكر.

وقد تبنى الحزب من هذه الأفكار والأحكام والآراء بالقدر الذي يلزمه لسيره في العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم بإقامة دولة الخلافة ونصب الخليفة.

وقد ضمن مجموع ما تبناه، وما صدر عنه من هذه الأفكار والآراء والأحكام في كتبه ونشراته الكثيرة، التي أصدرها ونشرها للناس.

l وهذه هي الكتب التي أصدرها:


كتاب نظام الإسلام.


كتاب نظام الحكم في الإسلام.


كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام.


كتاب النظام الاجتماعي في الإسلام.


كتاب التكتل الحزبي.


كتاب مفاهيم حزب التحرير.


كتاب الدولة الإسلامية.


كتاب الشخصية الإسلامية في ثلاثة أجزاء.


كتاب مفاهيم سياسية لحزب التحرير.


كتاب نظرات سياسية لحزب التحرير.


كتاب مقدمة الدستور.


كتاب الخلافة.


كتاب كيف هدمت الخلافة.


كتاب نظام العقوبات.


كتاب أحكام البينات.


كتاب نقض الاشتراكية الماركسية.


كتاب التفكير.


كتاب سرعة البديهة.


كتاب الفكر الإسلامي.


كتاب نقض نظرية الالتزام في القوانين الغربية.


كتاب نداء حار.


كتاب السياسية الاقتصادية المثلى.


كتاب الأموال في دولة الخلافة.



كما أصدر الحزب آلاف النشرات والمذكرات والكتيبات الفكرية والسياسية.



l والحزب حين يحمل هذه الأفكار والأحكام للناس إنما يحملها لهم حملاً سياسياً، أي يعطيهم إياها حتى يتبنوها، ويعملوا بها ويحملوها لإيصالها إلى الحكم وواقع الحياة، لأن ذلك واجب عليهم باعتبارهم مسلمين كما هو واجب على الحزب باعتباره حزباً إسلامياً، وأفراده من المسلمين.

وقد اعتمد الحزب في تبنّيه للأفكار والأحكام الإسلامية على ما جاء به الوحي من الكتاب والسنة، وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس، لأن هذه الأدلة الأربعة هي التي ثبتت حُجِيّتها بالدليل القطعي.



8 - طريقة حزب التحرير



l طريقة السير في حمل الدعوة هي أحكام شرعية، تؤخذ من طريقة سير الرسول r في حمله الدعوة لأنه واجب الاتباع، لقوله تعالى { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً }، ولقوله { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم }، وقوله { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }. وكثير غيرها من الآيات الدالة على وجوب اتباع الرسول والتأسي به والأخذ عنه.

l لكون المسلمين اليوم يعيشون في دار كفر، لأنهم يحكمون بغير ما أنزل الله فإن دارهم تشبه مكة حين بعثة الرسول r لذلك يجب أن يتخذ الدور المكي في حمل الدعوة هو موضع التأسي.

l ومن تتبع سيرة الرسول r في مكة حتى أقام الدولة في المدينة تبين انه مرّ في مراحل بارزة المعالم ، كان يقوم فيها بأعمال معينة بارزة. فأخذ الحزب من ذلك طريقته في السير، ومراحل سيره، والأعمال التي يجب أن يقوم بها في هذه المراحل تأسياً بالأعمال التي قام بها الرسول r في مراحل سيره.

l وبناء على ذلك حددّ الحزب طريقة سيرة بثلاث مراحل:

الأولـى: مرحلة التثقيف لإيجاد أشخاص مؤمنين بفكرة الحزب وطريقته لتكوين الكتلة الحزبية.

الثانية: مرحلة التفاعل مع الأمة، لتحميلها الإسلام، حتى تتخذه قضية لها، كي تعمل على إيجاده في واقع الحياة.

الثالثة: مرحلة استلام الحكم، وتطبيق الإسلام تطبيقاً عاماً شاملاً، وحمله رسالة إلى العالم.

أما المرحلة الأولى فقد ابتدأ فيها الحزب في القدس عام 1372 هـ ـ 1953 م على يد مؤسّسه العالم الجليل، والمفكر الكبير، والسياسي القدير، والقاضي في محكمة الاستئناف في القدس الأستاذ تقي الدين النبهاني عليه رحمة الله، وكان الحزب يقوم فيها بالاتصال بأفراد الأمة، عارضاً عليهم فكرته وطريقته بشكل فردي، ومن كان يستجيب له ينظمه للدراسة المركزة في حلقات الحزب، حتى يصهره بأفكار الإسلام وأحكامه التي تبنّاها، ويصبح شخصية إسلامية، يتفاعل مع الإسلام، ويتمتع بعقلية إسلامية، ونفسية إسلامية، وينطلق إلى حمل الدعوة إلى الناس. فإذا وصل الشخص إلى هذا المستوى، فرض نفسه على الحزب، وضمّه الحزب إلى أعضائه. كما كان يفعل رسول الله r في مرحلته الأولى من الدعوة، والتي استمرت ثلاث سنين، من دعوته الناس أفرادا، عارضاً عليهم ما أرسله الله به ومن كان يؤمن يكتله معه على أساس هذا الدين سراً، ويحرص على تعليمه الإسلام، وإقرائه ما نزل عليه وينزل من القرآن حتى صهرهم بالإسلام، وكان يلتقي بهم سرّاً ويعلمهم سرّاً في أماكن غير ظاهرة، وكانوا يقومون بعبادتهم وهم مستخفون. ثمّ فشا ذكر الإسلام بمكة وتحدث به الناس ودخلوا فيه أرسالاً.

وفي هذه المرحلة انصبّت عناية الحزب على بناء جسمه، وتكثير سواده وتثقيف الأفراد في حلقاته، بالثقافة الحزبية المركزة، حتى استطاع أن يكوّن كتلة حزبية من شباب انصهروا بالإسلام، وتبنّوا أفكار الحزب، وتفاعلوا معها وحملوها للناس.

وبعد أن استطاع الحزب تكوين هذه الكتلة الحزبية، وأحسّ به المجتمع، وعرفه وعرف أفكاره، وما يدعو إليه، انتقل إلى المرحلة الثانية.

l وهي مرحلة التفاعل مع الأمة لتحميلها الإسلام، وإيجاد الوعي العام، والرأي العام عندها على أفكار الإسلام وأحكامه، التي تبناها الحزب، حتى تتخذها أفكاراً لها، تعمل على إيجادها في واقع الحياة، وتسير مع الحزب في العمل لإقامة دولة الخلافة، ونصب الخليفة، لاستئناف الحياة الإسلامية وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم.

وفي هذه المرحلة انتقل الحزب إلى مخاطبة الجماهير مخاطبة جماعية. وقد كان يقوم في هذه المرحلة بالأعمال التالية:


الثقافة المركزة في الحلقات للأفراد لتنمية جسم الحزب، وتكثير سواده، وإيجاد الشخصيات الإسلامية القادرة على حمل الدعوة، وخوض الغمرات بالصراع الفكري، والكفاح السياسي.


الثقافة الجماعية لجماهير الأمة بأفكار الإسلام وأحكامه التي تبناها الحزب، في دروس المساجد والنوادي والمحاضرات وأماكن التجمعات العامة وبالصحف والكتب والنشرات، لإيجاد الوعي العام عند الأمة، والتفاعل معها.

3 - الصراع الفكري لعقائد الكفر وأنظمته وأفكاره، وللعقائد الفاسدة، والأفكار الخاطئة، والمفاهيم المغلوطة، ببيان زيفها وخطئها ومناقضتها للإسلام، لتخليص الأمة منها ومن آثارها.


الكفاح السياسي، ويتمثل بما يلي:

أ - مكافحة الدول الكافرة المستعمرة، التي لها سيطرة ونفوذ على البلاد الإسلامية ومكافحة الاستعمار بجميع أشكاله الفكرية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، وكشف خططه وفضح مؤامراته لتخليص الأمة من سيطرته، وتحريرها من أي أثر لنفوذه.

ب - مقارعة الحكام في البلاد العربية والإسلامية وكشفهم ومحاسبتهم والتغيير عليهم كلما هضموا حقوق الأمة، أو قصّروا في أداء واجباتهم نحوها، أو أهملوا شأناً من شؤونها، وكلما خالفوا أحكام الإسلام.

والعمل على إزالة حكمهم لإقامة حكم الإسلام مكانه.


تبنّي مصالح الأمة، ورعاية شؤونها وفق أحكام الشرع.

وقام الحزب بكل ذلك اتباعاً لما قام به الرسول r بعد أن نزل عليه قوله تعالى: { فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين } فانه أظهر أمره، ودعا قريشاً إلى الصفا وأخبرهم أنه نبي مرسل وطلب منهم أن يؤمنوا به، وأخذ يعرض دعوته على الجماعات كما يعرضها على الأفراد، وقد تصدى لقريش وآلهتها وعقائدها وأفكارها فبين زيفها وفسادها وخطأها وعابها وهاجمها كما هاجم كل العقائد والأفكار الموجودة. وكانت الآيات تنزل متلاحقة بذلك وتنزل مهاجمة لما كانوا يقومون به من أكل الربا، ووأد البنات وتطفيف الكيل ومقارفة الزنا، كما كانت تنزل بمهاجمة زعماء قريش وسادتها، وتسفيههم وتسفيه آبائهم وأحلامهم وفضح ما يقومون به من تآمر ضد الرسول r وضد دعوته وأصحابه.

وكان الحزب في حمل أفكاره، وفي تصدّيه للأفكار الأخرى، والتكتلات السياسية، وفي تصدّيه لمكافحة الدول الكافرة المستعمرة، وفي مقارعته للحكّام صريحاً سافراً متحدياً، لا يداجي ولا يداهن ولا يجامل ولا يتملق ولا يؤثر السلامة، بغض النظر عن النتائج والأوضاع فكان يتحدى كل من يخالف الإسلام وأحكامه - مما عرّضه للإيذاء الشديد من الحكّام من سجن وتعذيب وتشريد وملاحقة، ومحاربة في رزق، وتعطيل مصالح، ومنع من سفر، وقتل، فقد قتل منه الحكام الظلمة في العراق وسورية وليبيا العشرات، كما أن سجون الأردن وسورية والعراق ومصر وليبيا وتونس مليئة بشبابه ـ وذلك اقتداء برسول الله r، فقد جاء برسالة الإسلام إلى العالم أجمع متحدياً سافراً مؤمناً بالحق الذي يدعو إليه يتحدى الدنيا بأكملها، ويعلن الحرب على الأحمر والأسود من الناس دون أن يحسب أي حساب لعادات وتقاليد، أو أديان أو عقائد أو حكّام أو سوقة، ولم يلتفت إلى شيء سوى رسالة الإسلام، فقد بادأ قريشاً بذكر آلهتهم وعابها، وتحداهم في معتقداتهم وسفّهها وهو فرد أعزل لا عدة معه ولا معين، ولا سلاح عنده سوى إيمانه العميق برسالة الإسلام التي أرسل بها.

ومع أن الحزب التزم في سيره أن يكون صريحاً وسافراً متحدياً، إلاّ أنه اقتصر على الأعمال السياسية في ذلك، ولم يتجاوزها إلى الأعمال المادية ضد الحكام، أو ضد من يقفون أمام دعوته، اقتداء برسول الله r من اقتصاره في مكة على الدعوة، ولم يقم بأيّة أعمال مادية حتى هاجر، وعندما عرض عليه أهل بيعة العقبة الثانية أن يأذن لهم بمقاتلة أهل منى بالسيوف أجابهم قائلاً:" لم نؤمر بذلك بعد " والله سبحانه قد طلب منه أن يصبر على الإيذاء كما صبر من سبقه من الرسل حيث قال الله تعالى له: { ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا }.

وعدم استعمال الحزب القوة المادية للدفاع عن نفسه، أو ضد الحكّام، لا علاقة له بموضوع الجهاد، فالجهاد ماض إلى يوم القيامة فإذا ما هاجم الأعداء الكفار بلداً إسلامياً وجب على المسلمين من أهله ردهم، وشباب حزب التحرير في ذلك البلد جزء من المسلمين يجب عليهم ما يجب على المسلمين من قتال العدو وردّه بوصفهم مسلمين. وإذا ما وجد وقام أمير مسلم بالجهاد لإعلاء كلمة الله واستنفر الناس فإن شباب حزب التحرير يلبون بوصفهم مسلمين في ذلك البلد الذي حصل فيه الاستنفار.

l ولما تجمّد المجتمع أمام الحزب من جراء فقد الأمة ثقتها بقادتها وزعمائها الذين كانوا موضع أملها، ومن جرّاء الظروف الصعبة التي وضعت فيها المنطقة لتمرير المخططات التآمرية، ومن جرّاء التسلط والقهر الذي يمارسه الحكام ضد شعوبهم، ومن جرّاء شدة الأذى الذي يوقعه الحكام بالحزب وشبابه، لما تجمد من جراء كل ذلك قام الحزب بطلب النصرة من القادرين عليها. وقد طلبها لغرضين:

الأول: لغرض الحماية حتى يستطيع أن يسير في حمل دعوته وهو آمن.

الثاني: الإيصال إلى الحكم لإقامة الخلافة وتطبيق الإسلام.

ومع قيام الحزب بأعمال النصرة هذه فإنه قد استمر في القيام بجميع الأعمال التي كان يقوم بها، من دراسة مركزة في الحلقات، ومن ثقافة جماعية، ومن تركيز على الأمة لتحميلها الإسلام، وإيجاد الرأي العام عندها ومن مكافحة الدول الكافرة المستعمرة وكشف خططها، وفضح مؤامراتها، ومن مقارعة الحكّام، ومن تبنّ لمصالح الأمة ورعاية لشؤونها.

وهو مستمر في كل ذلك آملاً من الله أن يحقّق له وللأمة الإسلامية الفوز والنجاح والنصر، وعندئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.




فكرة حزب التحرير



الفكرة التي يقوم عليها حزب التحرير، وتتجسد في مجموعة أفراده، ويعمل لأن يصهر الأمة بها، ولأن تتخذها قضيتها هي الفكرة الإسلامية، أي العقيدة الإسلامية وما انبثق عنها من أحكام، وما بني عليها من أفكار.

وقد تبنى الحزب من هذه الفكرة القدر الذي يلزمه كحزب سياسي يعمل لإيجاد الإسلام في المجتمع، أي تجسيد الإسلام في الحكم والعلاقات وسائر شؤون الحياة، وقد وضّح الحزب كل ما تبناه بشكل تفصيلي في كتبه ونشراته التي أصدرها، مع بيان الأدلة التفصيلية لكل حكم، ولكل رأي، ولكل فكر، ولكل مفهوم.

وهذه نماذج إجمالية من بعض أبرز ما تبناه من أفكار وأحكام وآراء ومفاهيم:

l العقيدة الإسلامية

العقيدة الإسلامية هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى.

والإيمان هو التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل، فإذا كان التصديق عن غير دليل لا يكون إيماناً لأنه لا جزم فيه، ولا يكون التصديق جازماً إلا إذا ثبت عن دليل قطعي، لذلك لا بد أن يكون دليل العقيدة قطعياً ولا يجوز أن يكون ظنّياً.

والعقيدة " شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله " والشهادة لا تكون شهادة إلاّ إذا كانت عن علم ويقين وصدق، ولا تكون عن ظن، فالظن لا يفيد العلم واليقين.

والعقيدة الإسلامية هي أساس الإسلام، وأساس وجهة نظره في الحياة، وهي أساس الدولة، وأساس الدستور، وسائر القوانين، وأساس كل ما انبثق عنها، أو بني عليها من أفكار الإسلام وأحكامه ومفاهيمه. فهي قيادة فكرية وهي قاعدة فكرية، وهي عقيدة سياسية، لأن الأفكار والأحكام والآراء والمفاهيم التي انبثقت عنها، أو بنيت عليها تتعلق بشؤون الدنيا ورعايتها، كما تتعلق بشؤون الآخرة، فهي أساس رعاية الشؤون في الدنيا ففيها أحكام البيوع والإجارات والوكالات والكفالات، والملكية والزواج والشركات والإرث، كما فيها أحكام تتعلق ببيان كيفية تنفيذ أحكام رعاية شؤون الدنيا كأحكام إقامة أمير للجماعة وأحكام طريقة نصب الأمير، وطاعته ومحاسبته، وكأحكام الجهاد والصلح والسلم والهدن وكأحكام العقوبات وغيرها، فهي عقيدة رعاية شؤون فتكون عقيدة سياسية لأن السياسية هي رعاية الشؤون، وهي عقيدة لا تنفصل عن النضال والقتال في حمل دعوتها وحمايتها وقيامها في سلطان، وحماية السلطان لها، وبقائه قائماً عليها وعلى تنفيذها، ومحاسبته إن قصّر في تطبيقها وتنفيذها، أو حملها رسالة إلى العالم.

وهي تقتضي إفراد الله وحده بالعبودية والخضوع والتشريع، ونفي العبودية لغيره من المخلوقات، من أصنام وطواغيت، وأهواء وشهوات، فهو وحده الخالق والمتفرد بالعبادة، وهو الحاكم، والمتصرف والمشرع والهادي والرزاق والمحيي والمميت والناصر، والذي بيده الملك، وهو وحده على كل شيء قدير، لا يشاركه في شيء من ذلك أحد من خلقه.

l وتقتضي إفراد الرسول محمد r بالاتباع من دون الخلق أجمعين، فلا يتبع غيره، ولا يؤخذ عن سواه، فهو المبلغ تشريع ربه، ولا يجوز أن يؤخذ تشريع عن سواه من البشر، أو من أديان أو مبادئ، أو مشرعين. بل يجب أن يفرد بالاتباع والأخذ عنه. { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }، { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم }، { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم }، { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم }.

l وتقتضي وجوب تطبيق الإسلام تطبيقاً كاملاً شاملاً دفعة واحدة، وتحرم تطبيق جزء منه، وترك تطبيق جزء آخر، كما تحرم التدرج في تطبيقه، فالمسلمون مأمورون بأن يطبقوا جميع ما أنزل الله على رسوله بعد نزول قوله تعالى: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } دون تفريق بين حكم وحكم، فجميع أحكام الله سواء في وجوب التطبيق، لذلك قاتل أبو بكر والصحابة معه مانعي الزكاة لأنهم امتنعوا عن تطبيق حكم واحد فقط، هو الزكاة. وقد توعّد الله من يفرق بين حكم وحكم، ومن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض بالخزي في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة. حيث قال: { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلاّ خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب }.

وقد تعرض الحزب في أفكار العقيدة، وما يتصل بها لمواضيع إثبات وجود الله الخالق واثبات الحاجة إلى الرسل، واثبات أن القرآن من عند الله، وأن محمداً رسول بالدليل العقلي والدليل النقلي من القرآن والحديث المتواتر. ومواضيع القدر، والقضاء والقدر، والرزق، والأجل، والتوكل على الله، والهداية والضلال.

l القواعد الشرعية

l قاعدة الأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي فلا يقام بفعل إلا بعد معرفة حكمه والأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم.

فالمسلم مأمور شرعاً بتسيير أعماله جميعها حسب أحكام الشرع، قال تعالى: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم }، وقال: { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }، فالأصل في المسلم أن يتقيد في جميع أفعاله بأحكام الشرع. والحكم هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد. فكل ما لم يرد فيه خطاب من الشارع لا يكون حكماً شرعياً. وكل فعل وكل شيء في هذه الدنيا قد بيّن الله حكمه. حيث قال: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا }، وحيث قال: { ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء }.

وخطاب الشارع العام جاء بإباحة الأشياء، والإباحة حكم شرعي، لأن الإباحة هي ما خيّر الشارع فيه الإنسان أن يفعله أو أن يتركه. قال تعالى: { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً } وقال: { وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا } وهذا يعني أن الأشياء التي في السموات والأرض خلقها الله لنا وسخرها فهي مباحة، ولا يحتاج أي شيء منها إلى دليل خاص لأنه داخل في الدليل العام الذي هو الإباحة. وقال: { كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً } وهذا يعني أن أكل كل شيء حلال فلا يحتاج أكل شيء من الأشياء إلى دليل لأن الدليل العام إباحة. وإنما تحريم أكل شيء كالميتة والخنزير والمتردية والسباع، وتحريم شرب شيء كالخمر فإنه يحتاج إلى دليل محرّم ويكون استثناء من الدليل العام الذي هو الإباحة.

l وقاعدة : ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

l وقاعدة: استصحاب الأصل.

l وقاعدة: ان الخير ما أرضى الله وأن الشر ما أسخطه.

l وقاعدة: ان الحسن ما حسّنه الشرع، وأن القبيح ما قبّحه الشرع.

l وقاعدة: ان العبادات والمطعومات والملبوسات والمشروبات والأخلاق لا تعلل ويلتزم فيها بالنص.

l التعاريف الشرعية

كتعريف الحكم الشرعي بأنه خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد، ومثل تعريف الواجب ما طلب طلباً جازماً أو ما أثيب على فعله وعوقب على تركه والحرام ما نهي عنه نهياً جازماً أو ما عوقب على فعله.

l التعاريف غير الشرعية

كتعريف الفكر والطريقة العقلية، والطريقة العلمية، وتعريف المجتمع، فإنها تعاريف لواقع.

l فالفكر والعقل والإدراك بمعنى واحد وهو: نقل الواقع إلى الدماغ بواسطة الإحساس مع معلومات سابقة يفسر بواسطتها هذا الواقع.

ويشترط في الفكر حتى يوجد توفر أربعة أشياء مجتمعة هي: وجود واقع، ووجود دماغ صالح، ووجود حس، ووجود معلومات سابقة، فهذه الأربعة مجتمعة لا بدّ من توفرها جميعها حتى تحصل العملية العقلية، أي حتى يوجد فكر أو عقل أو إدراك.

l الطريقة العقلية: ان الطريقة التي يجري بها عقل الأشياء، هي الطريقة التي يعمل فيها العقل في الوصول إلى الأفكار، أي هي الكيفية التي يجري بحسبها إنتاج العقل للأفكار فهي طريقة التفكير.

وطريقة التفكير العقلية هي منهج معين في البحث يسلك للوصول إلى معرفة حقيقة الشيء الذي يبحث عنه عن طريق نقل الحس بالواقع، بواسطة الحواس إلى الدماغ ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع، فيصدر الدماغ حكمه عليه. وهذا الحكم هو الفكر، أو الإدراك العقلي. وتكون في بحث المواد المحسوسة كالفيزياء، وفي بحث الأفكار، كبحث العقائد، وبحث التشريع، وفي فهم الكلام كبحث الفقه وبحث الأدب. وهذه الطريقة هي الطريقة الطبيعية والأصلية في الوصول إلى الإدراك من حيث هو، وعمليتها هي التي يتكون بها عقل الأشياء، أي إدراكها. وعلى منهجها يصل الإنسان من حيث هو إنسان إلى إدراك أي شيء يريد إدراكه.

الطريقة العلمية: هي منهج معين في البحث يسلك للوصول إلى معرفة حقيقة الشيء الذي يبحث عنه، عن طريق إجراء تجارب على الشيء، ولا تكون إلا في بحث المواد المحسوسة، ولا يتأتى وجودها في الأفكار، فهي خاصة بالعلوم التجريبية، وهي تكون بإخضاع المادة لظروف وعوامل غير ظروفها وعواملها الأصلية، وملاحظة الظروف والعوامل الأصلية، والتي خضعت لها، ثم تستنتج من هذه العملية على المادة حقيقة مادية ملموسة، كما هي الحال في المختبرات.

والنتيجة التي يصل إليها الباحث عن الطريقة العلمية ليست قطعية وإنما هي ظنية فيها قابلية الخطأ. وقابلية الخطأ في الطريقة العلمية أساس من الأسس حسب ما هو مقرر في البحث العلمي.

وهذه الطريقة هي فرع عن الطريقة العقلية وليست أساساً للتفكير، لأن جعلها أساساً لا يتأتى، إذ هي ليست أصلاً يبنى عليها وإنما هي فرع عن أصل أي عن الطريقة العقلية، ولأن جعلها أساساً يخرج أكثر المعارف والحقائق عن البحث، ويؤدي إلى عدم وجود كثير من المعارف التي تدرَّس والتي تتضمن حقائق، مع أنها موجودة بالفعل، وملموسة بالحس والواقع.

l المجتمع: هو مجموعة من الناس تربطهم أفكار ومشاعر واحدة ونظام واحد. فهم مجموعة من الناس بما فيهم العلاقات، وليس مجموعة الناس فقط فمجموعة الناس جماعة، وليست مجتمعاً، والذي يُكوّن المجتمع هو العلاقات. والمجتمع في حقيقته التفصيلية هو أناس وأفكار ومشاعر وأنظمة، وإصلاحه يكون بإصلاح أفكاره ومشاعره وأنظمته، وبالعلاقات وحلولها تتمايز المجتمعات فيقال مجتمع إسلامي، أو مجتمع شيوعي، أو مجتمع رأسمالي.

l المبادئ الموجودة في الدنيا

المبادئ الموجودة في الدنيا ثلاثة: الإسلام، والديمقراطية الرأسمالية، والشيوعية.

الديمقراطية الرأسمالية:

هي مبدأ الدول الغربية وأمريكا وهي مبدأ فصل الدين عن الدولة، وفصل الدين عن الحياة، " دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله " وبناء على ذلك كان الإنسان هو الذي يضع نظامه في الحياة.

وهذا المبدأ هو مبدأ كفر يتناقض مع الإسلام لأن الله هو المشرع وهو وحده الذي وضع النظام للبشر، وجعل الدولة جزءاً من أحكامالإسلام، وأوجب أن تعالج جميع شؤون الحياة بالأحكام الشرعية التي أنزلها. لذلك يحرم على المسلمين أن يعتنقوا المبدأ الرأسمالي أو أن يأخذوا أفكاره أو أنظمته، لأنه مبدأ كفر، وأفكاره أفكار كفر، وأنظمته أنظمة كفر تتناقض مع الإسلام.

رأي الإسلام في الحريات

ومن أبرز أفكار المبدأ الرأسمالي وجوب المحافظة على الحريات للإنسان، وهذه الحريات هي حرية العقيدة، وحرية الرأي، وحرية الملكية، والحرية الشخصية. وقد نتج عن حرية التملك النظام الاقتصادي الرأسمالي المبني على النفعية، التي أدت إلى الاحتكارات الضخمة، والتي دفعت الدول الغربية الكافرة إلى استعمار الشعوب ونهب ثرواتها.

وهذه الحريات الأربع العامة تتناقض مع أحكام الإسلام، فالمسلم ليس حرّاً في عقيدته فإنه إذا ارتد يستتاب فإن لم يرجع يقتل، قال r " من بدّل دينه فاقتلوه "، والمسلم ليس حرّاً في رأيه، فما يراه الإسلام يجب أن يراه، ولا يجوز أن يكون للمسلم رأي غير رأي الإسلام.

والمسلم ليس حرّاً في الملك، ولا يصح له أن يتملك إلا ضمن أسباب التملك الشرعية، فليس حراً أن يملك ما شاء بما شاء بل هو مقيد بأسباب التملك فلا يجوز أن يتملك بسواها مطلقاً فلا يصح أن يتملك بالربا، أو بالاحتكار أو ببيع الخمر أو الخنزير، أو ما شاكل ذلك من طرق التملك الممنوعة شرعاً. فإنه لا يجوز أن يملك بأي طريق منها.

الحرية الشخصية لا وجود لها في الإسلام، فليس للمسلم حرية شخصية، بل هو مقيد بما يراه الشرع، فإذا لم يقم بأداء الصلاة أو الصيام مثلاً يعاقب وإذا سكر يعاقب وإذا زنا يعاقب، وإذا خرجت المرأة عارية أو متبرجة تعاقب، لذلك فالحريات الموجودة في النظام الرأسمالي الغربي لا وجود لها في الإسلام، وهي تتناقض مع أحكام الإسلام تناقضاً كلياً.

ومن أبرز أفكار المبدأ الرأسمالي: الديمقراطية.

رأي الإسلام في الديمقراطية والديمقراطية هي حكم الشعب للشعب وبالشعب، فأصل النظام الديمقراطي أن الشعب هو الذي يملك الإرادة والسيادة، ويملك التنفيذ، فهو الذي يملك تسيير إرادته لأنه سيد نفسه، وليس لأحد سيادة عليه، وبذلك يكون هو المشرع، فيشرع الشرع الذي يريد ويلغي ويبطل الشرع الذي يريد إبطاله. ولما كان لا يستطيع ذلك بنفسه فإنه يختار نواباً عنه ليقوموا بالتشريع نيابة عنه.وهو الذي يملك الحكم والتنفيذ، ولما كان من المتعذر أن يباشر الحكم بنفسه لذلك فإنه يختار حكاماً ليقوموا نيابة عنه بتنفيذ التشريع الذي شرعه الشعب، وبذلك كان الشعب مصدر السلطات في النظام الرأسمالي الغربي، فالشعب هو السيد وهو الذي يشرع ويحكم.وهذا النظام الديمقراطي هو نظام كفر، فهو من وضع البشر، وليس هو أحكاماً شرعية، لذلك كان الحكم به حكماً بالكفر، وكانت الدعوة إليه هي دعوة لنظام كفر، ولهذا فلا تجوز الدعوة إليه، أو الأخذ به بحال من الأحوال.وهذا النظام الديمقراطي مخالف لأحكام الإسلام، فالمسلمون مأمورون بتسيير جميع أعمالهم بأحكام الشرع. والمسلم عبد لله، فهو يسيّر إرادته وفق أوامر الله ونواهيه، والأمة لا تملك أن تسيّر إرادتها وفق هواها، لأنها ليست لها السيادة، والذي يسيّر إرادتها هو الشرع لأنه صاحب السيادة. لذلك فإن الأمة لا تملك التشريع لأن الله هو المشرع، ولو أجمعت الأمة على إباحة ما حرم الله، مثل الربا أو الاحتكار أو الزنا. أو شرب الخمر فلا يكون لإجماعها أية قيمة لأنه يتناقض مع أحكام الإسلام. فإن أصرت على ذلك تقاتل.إلاّ أن الله سبحانه وتعالى قد جعل السلطان أي الحكم والتنفيذ للأمة، فجعل لها حق اختيار الحاكم وتنصيبه، ليقوم بالحكم والتنفيذ نيابة عنها، وقد شرّع الله لها كيفية تنصيب الحاكم بالبيعة. وبهذا يدرك الفرق بين السيادة والسلطة، فالسيادة للشرع والسلطة للأمة.l الشيوعيةالشيوعية مبدأ مادي يقوم على أساس إنكار وجود شيء غير المادة، ويعتبر أن المادة أزلية، لا أول لها ولا آخر، وأنها غير مخلوقة لخالق، وأنه لا يوجد خالق، كما لا يوجد يوم قيامة. وتعتبر أن الدين أفيون الشعوب.وهي مبدأ مادي يقوم على نظرية التطور المادي والتطور التاريخي، فالمادة فيه هي أصل الأشياء جميعها، وأن الأشياء تصدر عنها، وتتولد بطريق التطور، وأن النظام فيها يؤخذ من أدوات الإنتاج، وأن الأنظمة تتطور بتطور آلات الإنتاج، وأن المجتمع فيها هو مجموعة عامة، من الأرض، وأدوات الإنتاج، والطبيعة والإنسان، وكلها شيء واحد هو المادة، وحين تتطور الطبيعة وما فيها يتطور معها الإنسان، ويتطور المجتمع كله.لذلك كان المجتمع فيها خاضعاً للتطور، وحين يتطور المجتمع يتطور الفرد معه، فيدور معه كما يدور السن في الدولاب. والشيوعية تمنع تملك أدوات الإنتاج تملكاً فردياً، وتجعلها ملكاً للدولة.والمبدأ الشيوعي مبدأ كفر، وأفكاره أفكار كفر، ونظامه نظام كفر، وهو يتناقض مع الإسلام تناقضاً كلياً وجذرياً في كلياته وجزئياته.فالإسلام بيَّن وأثبت أن المادة مخلوقة وليست أزلية، وأنها ستفنى، وأن الإنسان مخلوق لخالق، وأن الكون وما فيه مخلوق لخالق، وأن النظام إنما هو من عند الله، وليس من تطور المادة، أو آلة الإنتاج، ولا من البشر، وأن المجتمع هو إنسان وأفكار ومشاعر وأنظمة، وأن الذي يحدد المجتمعات إنما هو النظام الذي يطبق عليها. فالمجتمع الذي يطبق الإسلام يكون مجتمعاً إسلامياً مهما كانت نوعية آلة الإنتاج الموجودة فيه، والمجتمع الذي يطبق عليه النظام الرأسمالي يكون مجتمعاً رأسمالياً، والمجتمع الذي يطبق عليه النظام الشيوعي هو مجتمع شيوعي مع أن آلة الإنتاج الموجودة فيه هي نفس آلة الإنتاج الموجودة في النظام الرأسمالي.l الحضارة و المدنيةالحضارة هي مجموع المفاهيم عن الحياة. أما المدنية فهي الأشكال المادية المحسوسة التي تستعمل في شؤون الحياة.وتكون الحضارة خاصة حسب وجهة النظر في الحياة، فالحضارة الإسلامية هي غير الحضارة الغربية، وغير الحضارة الشيوعية، لأن لكل حضارة من هذه الحضارات وجهة نظرها الخاصة، والمختلفة عن غيرها من الحضارات الأخرى.لذلك لا يجوز للمسلمين أن يأخذوا شيئاً من الحضارة الغربية، أو شيئاً من الحضارة الشيوعية، لتناقض هاتين الحضارتين مع الإسلام.أما المدنية فإنها إن نتجت عن الحضارة كالصور والتماثيل لما فيه روح، فإنها تعتبر خاصة ولا يجوز أن تؤخذ. فحضارة الإسلام تحرم صنع التماثيل واقتناءها، كما تحرم رسم كل ذي روح، بينما الحضارة الغربية، والحضارة الشيوعية تبيحها ولا تحرمها.أما إن كانت المدنية ناتجة عن العلم وتقدمه والصناعة ورقيها، كوسائل المواصلات من الطائرات والسفن والسيارات، وكأدوات الإنتاج الصناعية والزراعية وكأدوات الحرب المتطورة، وكذلك جميع ما تنتجه العقول البشرية من مخترعات ومكتشفات نتيجة لتقدم العلم، ولرقي الصناعة كالعقول الإلكترونية وغيرها.فجميع هذه الأشكال هي أشكال عالمية، وهي لجميع العالم، ولا تختص بحضارة من الحضارات، أو بأمة من الأمم، أو بدين من الأديان، بل هي للبشرية جمعاء، لأنها لا علاقة لها بالحضارة، ولا بوجهة النظر عن الحياة.لذلك يجوز أن تؤخذ لأنها لا تتعارض مع أحكام الإسلام، بل إن أخذها واجب على الكفاية.l أحكام في نظام الحكم في الإسلامl السلطان الإسلامي.لقد حدد الإسلام السلطان الإسلامي بأنه الحكم بما أنزل الله، قال تعالى:{ وان أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك } وقال:{ فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق } وعلى ذلك فكل سلطان يحكم بما أنزل الله، أي يحكم بالكتاب والسنة هو حكم إسلامي شرعي، أي هو سلطان إسلامي شرعي.l شكل نظام الحكم في الإسلام.وقد حدد الإسلام شكل نظام الحكم بأنه نظام الخلافة، وجعله وحده نظام الحكم للدولة الإسلامية. روى مسلم عن أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي r قال:" كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر " فهذا الحديث صريح بأن شكل نظام الحكم في الإسلام بعد الرسول r هو نظام الخلافة، ويؤيد ذلك ما جاء في أحاديث عديدة من جعل الإمامة أي الخلافة هي وحدها نظام الحكم في الإسلام، كحديث " سيكون بعدي أئمة " وحديث " إذا بويع لخليفتين " إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على أن نظام الحكم في الإسلام هو نظام الخلافة ليس غير.l طريقة نصب الخليفة.وقد حدد الإسلام الطريقة التي ينصب بها الخليفة بأنها البيعة. عن نافع عن ابن عمر قال: قال لي عمر: سمعت رسول الله r يقول:" ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية "، وعن عبادة بن الصامت قال:" بايعنا رسول الله r على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقوم أو نقول الحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم " وفي حديث " إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما "، فهذه الأحاديث صريحة الدلالة بأن طريقة نصب الخليفة هي البيعة كما انعقد إجماع الصحابة على ذلك.وعليه فإن كل حكم وسلطان قام على نظام الخلافة، وجرى نصب الخليفة فيه بطريق البيعة، وحكم بما أنزل الله أي بالكتاب والسنة هو حكم إسلامي شرعي، وسلطان لأي فرد من المسلمين، فليس هو فوق القانون كالملوك لا يحاسبون، بل هو خاضع لأحكام الله، يحاسب على كل تصرف من تصرفاته.كذلك فإن النظام الجمهوري ليس نظاماً إسلامياً، ولا يقرّه الإسلام، سواء أكان نظاماً رئاسياً كالولايات المتحدة، أو نظاماً برلمانياً كما هو حاصلفي ألمانيا الغربية. لأن النظام الجمهوري بشكليه قائم على أساس النظام الديمقراطي الذي يجعل السيادة للشعب، بينما نظام الخلافة قائم على نظام الإسلام الذي يجعل السيادة للشرع. لذلك فالخليفة لا تملك الأمة عزله، وإن كان لها حق اختياره ومحاسبته، والذي يعزل الخليفة هو الحكم الشرعي، أي إذا خالف الشرع مخالفة تستوجب عزله، والذي له صلاحية البت في أن الخليفة قد خالف الشرع مخالفة تستوجب عزله هي محكمة المظالم، وهي التي تملك صلاحية عزله. لقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } أي ردّوه إلى حكم الله وحكم الرسول والذي يمثل حكم الله وحكم الرسول هي محكمة المظالم، بينما رئيس الجمهورية فإن الشعب يملك عزله لأن الشعب هو صاحب السيادة وصاحب السلطة.والخليفة غير محدد بمدة، بل هو محدد بتطبيق الإسلام، فإن لم يطبق الإسلام عزل ولو بعد شهر من تنصيبه بينما رئيس الجمهورية مقيد بمدة معينة. وعلاوة على ذلك فإن رئيس الجمهورية في النظام البرلماني يكون معه رئيس للوزراء ويكون رئيس الجمهورية رمزاً لا يحكم، ويكون الحاكم معه هو رئيس الوزراء بينما الخليفة هو الحاكم وهو الذي يباشر الحكم والتنفيذ بنفسه ولا يكون معه وزراء يحكمون دونه.أما النظام الرئاسي فإنه وإن كان رئيس الجمهورية هو الذي يباشر الحكم لكنه يكون معه وزراء لهم صلاحية الحكم ويكون هو رئيساً لهم ويكون هو قائماً مقام رئيس الحكومة، وهذا بخلاف نظام الخلافة فإن الخليفة هو الذي يباشر الحكم بنفسه ومن معه يكونون معاونين له يستعين بهم، ولا توجد لهم صلاحيات الوزراء في النظام الديمقراطي الجمهوري، وحين يتولى الخليفة رئاستهم فإنه يتولاها بوصفه رئيساً للدولة، وليس بوصفه رئيساً للهيئة التنفيذية.لذلك يوجد فرق كبير بين النظام الجمهوري وبين نظام الخلافة، وعلى ذلك فلا يجوز مطلقاً أن يقال عن الدولة الإسلامية، الجمهورية الإسلامية، كما لا يجوز أن يقال أن نظام الحكم في الإسلام هو نظام جمهوري، أو أن الإسلام نظام جمهوري لوجود التناقض التام بين الإسلام وبين النظام الجمهوري.l وحدة دولة الخلافة نظام الحكم في الإسلام، الذي هو نظام الخلافة هو نظام وحدة، لدولة واحدة، وليس هو نظاماً اتحادياً.ولا يجوز أن يكون للمسلمين جميعاً في الدنيا إلا دولة إسلامية واحدة، ولا يجوز أن يكون لهم إلا خليفة واحد ينفذ عليهم كتاب الله وسنة رسوله، أي ينفذ الشرع الإسلامي. لأن الدليل الشرعي إنما جاء بذلك وحرم ما سواه. لما رُوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: أنه سمع رسول الله r يقول: " ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه فليطعه، فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر " ولما رُوي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله r أنه قال: " إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما " ولما رُوي عن عرفجة قال: سمعت رسول الله r يقول:" من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه ".وهذه الأحاديث صريحة في أنه لا يجوز أن يكون للمسلمين أكثر من خليفة واحد، فإن جاء شخص آخر ينازعه فيجب قتل الثاني، أو إذا بويع لاثنين فالأول هو الخليفة، والثاني يقتل إن لم يتنازل، وإن قام أحد لينازع الخليفة، ليقسم الدولة، أو ليقيم نفسه خليفة وجب قتله، وصريحة في أنه لا يجوز أن يكون لهم أكثر من دولة واحدة، وصريحة في وجوب أن تكون الدولة الإسلامية دولة وحدة لا دولة اتحاد مكون من وحدات.l قواعد الحكم في الإسلاميقوم نظام الحكم في الإسلام على أربع قواعد هي: السيادة للشرع لا للأمةفالذي يسيّر إرادة المسلم والأمة ليس المسلم نفسه، ولا الأمة الإسلامية نفسها، بل إن إرادة الفرد المسلم، وإرادة الأمة الإسلامية مسيّرة بأوامر الله ونواهيه فقط، لقوله تعالى: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم }. ولقوله: { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم } { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } ولقوله عليه السلام:" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ". وهذه الأدلة صريحة في أن السيادة إنما هي لشرع الله وليست هي للأمة.السلطان للأمةواضح أن السلطان، أي الحكم إنما هو للأمة من الطريقة التي عينها الشارع لنصب الخليفة من قبل الأمة بالبيعة، ومن كون الخليفة يأخذ السلطان بهذه البيعة ويحكم الأمة نيابة عنها، وكون الخليفة إنما يأخذ السلطان بهذه البيعة دليل واضح على أن السلطان للأمة تعطيه من تشاء، كما وردت أحاديث صريحة تبين أن الأمة هي التي تؤمر الأمير، وتنصبه وتبايعه. فقد روى عبد الله بن عمرو أن النبي r قال:" لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم " وهذا صريح على أن التأمير من الأمة، وسبقت أحاديث البيعة التي تبين أنها إنما تكون من الأمة.نصب خليفة واحد للمسلمين كافة نائباً عنهم في الحكم فرض على المسلمين.وقد مرت معنا أحاديث نصب الخليفة، ووجوب أن يكون واحداً، كما دل على ذلك إجماع الصحابة.للخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية التي تطبق في الدولة، فهو الذي يسن الدستور وسائر القوانين.وقد ثبت بإجماع الصحابة على أن للخليفة وحده حق تبني الأحكام، ومن هذا الإجماع أخذت القواعد الشرعية المشهورة. " أمر الإمام يرفع الخلاف " " أمر السلطان نافذ " " للسلطان أن يحدث من الأقضية بقدر ما يحدث من مشكلات ".l جهاز الدولة الإسلاميةيقوم جهاز الدولة على الأركان التالية:الخليفة.معاون التفويض.معاون التنفيذ.أمير الجهاد.الولاة.القضاة.الجهاز الإداري لمصالح الدولة.مجلس الأمة.الجيش.وقد أخذت هذه الأركان للدولة من فعل الرسول r، فقد أقام جهازاً للدولة، فكان هو رئيس الدولة، وأمر المسلمين بأن يقيموا لهم خليفة، وقد عيّن أبا بكر وعمر معاونين له، حيث قال كما أخرج الترمذي: " وزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر " والوزير في اللغة هو المعاون، وليس الوزير بالاصطلاح الديمقراطي الغربي. كما أن الرسول كان يعيّن أمراء للحرب والجهاد وقد عيّن الولاة على الأقاليم فعيّن معاذاً والياً على اليمن، وولى عتابة بن أسيد والياً على مكة بعد فتحها، كما عيّن قضاة يقضون بين الناس فقد عيّن علياً بن أبي طالب قاضياً على اليمن، ووجه راشد بن عبد الله أميراً على القضاء والمظالم، أما الجهاز الإداري فقد عيّن كتاباً لإدارة المصالح، وكانوا بمقام مديري الدوائر فقد عيّن معيقيب بن أبي فاطمة كاتباً على الغنائم، وعيّن حذيفة بن اليمان كاتباً على خرص ثمار الحجاز، أما مجلس الأمة فلم يكن للرسول مجلس معيّن دائماً ولكنه كان يستشير المسلمين حينما يريد، فقد جمعهم واستشارهم يوم أحد وجمعهم واستشارهم في غير ذلك، وكان أحياناً يدعو أشخاصاً معيّنين بشكل دائمي يستشيرهم، وكانوا نقباء القوم منهم حمزة، وأبو بكر وعمر، وجعفر وعلي وابن مسعود وسلمان، وعمار، وحذيفة وأبو ذر والمقداد، وسعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، فكانوا بمثابة مجلس يستشيرهم فيه. كما أن الرسول أقام جيشاً. وكان هو قائده الفعلي، كما كان يعيّن قواداً في بعض الغزوات.l الأحزاب السياسيةللمسلمين الحق شرعاً في إقامة أحزاب سياسية، لمحاسبة الحكام، أو للوصول إلى الحكم عن طريق الأمة، على شرط أن يكون أساس هذه الأحزاب قائماً على العقيدة الإسلامية، وأن تكون الأحكام والمعالجات التي تتبناها أحكاماً شرعية، ومعالجات شرعية، ولا يحتاج إنشاء الحزب إلى ترخيص، ويجوز أن تكون الأحزاب متعددة، لقوله تعالى: { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون }.l محاسبة الحكاملقد فرض الله سبحانه وتعالى طاعة الحكام، وأوجب محاسبتهم على أعمالهم وتصرفاتهم. وقد أمر المسلمين أمراً جازماً بأن يحاسبوا الحكام، وأن يغيّروا عليهم إذا هضموا حقوق الرعية، أو قصروا بواجباتهم نحوها، أو أهملوا شأناً من شؤونها، أو خالفوا حكماً من أحكام الإسلام، أو حكموا بغير ما أنزل الله. قال عليه الصلاة والسلام:" افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " وقال:" سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فنصحه فقتله ".l طاعة من يحكم بالإسلام فرض ما لم يأمر بمعصيةطاعة الحاكم المسلم الذي يحكم بما أنزل الله فرض على المسلمين، ما لم يأمر بمعصية، وما لم يظهر الكفر البواح في حكمه، قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } فالطاعة للحاكم المسلم الذي يحكم بما أنزل الله مطلقة إلا في حالة أمره بمعصية فإنه لا تجوز طاعته في المعصية التي أمر بها. قال عليه السلام:" السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب و كره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ".l الخروج على من يحكم بالإسلام حرام إلا إذا حكم بالكفر الصراحوقد حرم الإسلام الخروج على الحاكم، ما دام يحكم بالإسلام، ولو ظلم، فإنه يحاسب على ظلمه، ولا يجوز الخروج عليه ومقاتلته على ظلمه. قال عليه السلام:" من خرج من الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه " وقد ورد النهي صريحاً في الأحاديث عن مقاتلة الحكام وإن ظلموا، إلا في حالة واحدة وهي حالة ما إذا حكموا بالكفر البواح، أي الذي لا شك في أنه كفر بالدليل القاطع. قال عليه السلام:" ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم، قال: لا ما صلوا " والصلاة كناية عن الحكم بالإسلام. وفي حديث عوف بن مالك الذي رواه مسلم " قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف ؟ فقال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة " وفي حديث عبادة بن الصامت " وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان ".l أحكام في النظام الاقتصادي في الإسلاموقد وضع الحزب مقدمة طويلة لكتابة النظام الاقتصادي في الإسلام، خصصها لنقض الأفكار الاقتصادية للنظام الاقتصادي الرأسمالي، وللنظامين الاقتصاديين الشيوعي والاشتراكي، وبين فساد هذه الأفكار الاقتصادية جميعها، كما بين مناقضتها لأفكار النظام الاقتصادي في الإسلام وأحكامه.

وهذه بعض الأفكار والأحكام في النظام الاقتصادي في الإسلام

سياسة الاقتصاد في الإسلام

سياسة الاقتصاد في الإسلام هي ضمان تحقيق إشباع جميع الحاجات الأساسية لكل فرد إشباعاً كلياً، وتمكينه من إشباع الحاجات الكمالية بقدر ما يستطيع، باعتباره يعيش في مجتمع إسلامي معين، له طراز خاص من العيش.

لذلك فإن الأحكام الشرعية قد ضمنت إشباع الحاجات الأساسية، من مأكل ومسكن وملبس لكل فرد إشباعاً كلياً، وذلك بفرض العمل على القادر حتى يوفر لنفسه الحاجات الأساسية له، ولمن تجب عليه نفقتهم، وفرضها على المولود له، وعلى الوارث إن لم يكن قادراً على العمل، أو على بيت المال إن لم يوجد من تجب عليه نفقته. وبهذا ضمن الإسلام لكل فرد بعينه أن يشبع الحاجات التي لا بد للإنسان أن يشبعها.

المشكلة الاقتصادية في نظر الإسلام

هي توزيع الأموال والمنافع على جميع أفراد الرعية، وبتعبير آخر فإن المشكلة الاقتصادية هي توزيع الثروة، وليس إنتاج الثروة.

l أصل ملكية المال

المال أساساً مملوك لله وحده، والله قد استخلف فيه بني الإنسان، فصار لهم بهذا الاستخلاف حق ملكيته، والله هو الذي أذن للفرد بحيازته، فصار له بهذا الإذن الخاص ملكيته بالفعل. قال تعالى: { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } فنسب المال إليه تعالى وقال: { وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه } فجعل الناس خلفاء في المال عن الله تعالى، فإنه هو الذي استخلفهم.

l أنواع الملكية

الملكية ثلاثة أنواع: ملكية فردية، وملكية عامة، وملكية دولة.

أولاً ـ الملكية الفردية:

هي إذن الشارع للإنسان بالانتفاع بالعين استهلاكاً ومنفعة ومبادلة وقد جعل الإسلام التملك للفرد حقاً شرعياً، فله أن يتملك أموالاً منقولة كالأنعام والنقود والسيارات والملابس كما له أن يتملك أموالاً غير منقولة، كالأرض والبيت والمصنع. وقد جعل الشرع للفرد سلطاناً على ما يملك للتصرف فيه، إلا أن الشارع قد حدد الأسباب التي يجوز أن يتملك بها الإنسان المال، وأن ينميه، كما حدد كيفية التصرف في هذا المال.

l أسباب التملك

وقد حدد الشارع الأسباب التي يجوز للإنسان أن يتملك بها، والأسباب التي ينمي بها أمواله.

فجعل من أسباب التملك العمل بأنواعه للنفس، وعند الآخرين، ومن العمل إحياء الارض الموات، والصيد، واستخراج ما في باطن الأرض، والسمسرة والدلالة والمضاربة والمساقاة.

كما جعل الشارع من أسباب التملك الإرث، والحاجة للمال من أجل الحياة، وإعطاء الدولة من أموالها للرعية، والأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل جهد أو مال كأموال الهبات والهدايا والوصايا والأعطيات والديات والمهر واللقطة.

وقد جعل الشارع الزراعة والتجارة والصناعة من أسباب تنمية المال وكسبه وحدد الكيفية التي ينمى بها المال في هذه الطرق، كما حدد الطرق التي يمنع فيها المسلم من أن ينمي فيها أمواله، أو أن يتخذها وسيلة للكسب، فمنع كسب المال وتنميته بالطرق التالية:

l الشركات الرأسمالية المساهمة

ان شركات المساهمة شركات يحرمها الإسلام ولا يجيزها لأنها غير مستوفية جميع شروط الانعقاد، وشروط الصحة التي جاء بها النص الشرعي، لأن شركات المساهمة لا يتحقق فيها أركان العقد التي هي الإيجاب والقبول، فهي تتم من جانب واحد وهو المساهم، إذ بمجرد أن يوقع الشخص على شروط الشركة يصير شريكاً، وبمجرد شراء الشخص للسهم في الشركة يصير شريكاً، فهي عند الرأسماليين من قبيل الإرادة المنفردة، وليس في شركة المساهمة عاقدان بل متصرف واحد، وليس فيها إيجاب وقبول، بل قبول فحسب، وليس فيها مال وبدن، بل مال فقط.

والشركة شرعاً لا بد أن تكون بإيجاب وقبول من عاقدين مثل البيع والإجارة، وما شاكل ذلك من العقود، ولا بد أن تكون بين بدنين، أو بين مال وبدن، ولا يجوز أن تكون بين الأموال دون بدن.

لذلك فإن شركة المساهمة الرأسمالية لم تنعقد، لفقدانها ركناً من أركان العقد، فكانت باطلة. وكانت حراماً. فإنها لمخالفتها الشرع تعتبر مما نهى الله عنه، ففيها ترك ما أمر الله به من شروط انعقاد الشركة، وفيها فعل لما نهى الله عنه، وهو عدم مخالفة أمره. قال تعالى: { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم }.

l كذلك منع الشارع كسب المال وتنميته عن طريق الربا أو الاحتكار، أو القمار، أو الغش، أو التدليس، أو الغبن الفاحش، أو بيع الخمر أو الخنزير أو الميتة أو بيع الصلبان أو شجرة عيد الميلاد، أو عن طريق السرقة أو النشل، أو الاختلاس، أو الرشوة، أو الغلول.

ثانياً ـ الملكية العامة

النوع الثاني من أنواع الملكية هو الملكية العامة.

وهي الأعيان التي جعل الشارع ملكيتها لجماعة المسلمين. وجعلها مشتركة بينهم، وأباح للأفراد أن ينتفعوا منها، ومنعهم من تملكها.

وهذه الأعيان تتمثل في ثلاثة أنواع رئيسية هي:

1 - مرافق الجماعة التي لا تستغني حياة الجماعة اليومية عنها، وتتفرق عند فقدها، كالماء. قال رسول الله r " الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار "، والأمر لا يقتصر على هذه الثلاث، بل يشمل كل ما فيه حاجة الجماعة ويلحق بهذا النوع كل آلة تستعمل فيه فإنها تأخذ حكمه وتكون ملكية عامة كآلات ضخ المياه العامة وأنابيب توصيلها، وآلات مولدات الكهرباء من مساقط المياه وأعمدتها وأسلاكها.


الأعيان التي تكون طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الأفراد بحيازتها. كالبحار والأنهار والساحات العامة، والمساجد، والطرق العامة، قال عليه السلام " منى مناخ من سبق ".

ويلحق بهذا النوع من الملكيات العامة القطارات وأعمدة الكهرباء وأنابيب المياه وقساطل المجاري التي تمر بالطريق العام فإنها تكون ملكية عامة تبعاً لكون الطريق ملكية عامة، ولا يجوز أن يختص بها فرد، ولا أن يحمي مما هو لعموم الناس، قال عليه السلام " لا حمى إلا لله ورسوله " فالحمى لا يجوز لغير الدولة.


المعادن العد التي لا تنقطع

وهي المعادن الكثيرة، غير محدودة المقدار، فإنها تكون مملوكة لجميع المسلمين، ولا يجوز أن يملكها الأفراد، أو الشركات، كما لا يعطى امتياز استخراجها وتصنيعها واحتكار توزيعها لأفراد أو شركات بل يجب أن تبقى ملكية عامة لجميع المسلمين، مشتركة بينهم، وأن تقوم الدولة باستخراجها بنفسها أو بواسطة أُجراء وبيعها نيابة عن المسلمين ووضع وارداتها في بيت المال. ولا فرق في هذه المعادن بين أن تكون ظاهرة كالملح والكحل، أو تكون في باطن الأرض وأعماقها ولا يتوصل إلى استخراجها إلا بمشقة ومؤونة كبيرة مثل الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص واليورانيوم والنفط وغيرها من المعادن، ودليل ذلك ما روي عن أبيض بن حمال المازني " أنه استقطع رسول الله r الملح بمأرب فقطعه له، فلما ولى، قيل يا رسول الله، أتدري ما أقطعت له ؟ إنما أقطعته الماء العد، قال: فرجعه منه ".

أما المعادن القليلة محدودة المقدار كعروق الذهب والفضة فإنها تكون من الملكيات الفردية. ويجوز أن يملكها الأفراد، كما ملّك رسول الله r بلال بن الحارث المزني معادن القبلية من ناحية الفرع بالحجاز، وكان بلال قد سأل رسول الله أن يقطعها له فأقطعه إياها، وملكها له.

كيفية الانتفاع بالملكية العامة

بما أن الملكية العامة ملك لجميع المسلمين، مشتركة بينهم فإن لكل فرد أن ينتفع من هذه الملكية العامة. فإن كانت أعيان هذه الملكية مما يسهل على الإنسان أن ينتفع منها مباشرة بنفسه كالماء والكلأ والنار والطرقات العامة والأنهار والبحار فللشخص أن ينتفع من ذلك بنفسه.

وإن كانت أعيان الملكية العامة مما لا يسهل على الفرد الانتفاع بها مباشرة كالنفط والمعادن فإن الدولة تستخرجها وتضع وارداتها في بيت المال وينفق منها الخليفة بما يحقق مصلحة المسلمين. ويمكن أن يسير في توزيع منتجاتها ووارداتها على الشكل التالي:


ينفق على ما يتعلق بإدارة واستخراج أعيان الملكية العامة من بنايات وموظفين ومستشارين وخبراء وآلات ومصانع.


ينفق على المسلمين الذين هم المالكون لهذه الملكيات العامة فله أن يوزع عليهم من أعيان هذه الملكية كالماء والغاز والنفط والكهرباء بدون ثمن أو أن يوزع عليهم نقوداً من وارداتها بحسب ما يرى فيه الخير والمصلحة للمسلمين.


يحمى منها للصرف على الجهاد وما يتطلبه من مصانع للسلاح ولتكوين الجيش، ولنفقات بيت المال التي يجب على بيت المال الإنفاق عليها في حال وجود المال وعدمه. والتي يجب على المسلمين الإنفاق عليها في حال عدم وجود مال في بيت المال.

ثالثاً: ملكية الدولة

هذا هو النوع الثالث من أنواع الملكية وهو ملكية الدولة، وهي كل عين من أرض أو بناء تعلق به حق لعامة المسلمين. ولا تكون داخلة في الملكية العامة. فملكية الدولة هي أعيان تقبل التملك الفردي كالأرض والبناء والأشياء المنقولة. لكن لما تعلق بها حق لعامة المسلمين صار تدبيرها والقيام على شؤونها والتصرف فيها موكولاً إلى الخليفة، أي إلى الدولة لأنه صاحب الصلاحية في التصرف في كل ما يتعلق به حق لعامة المسلمين، وذلك كالصحارى، والجبال، وشواطئ الأنهار وموات الأرض غير المملوكة للأفراد، والأبنية والمسقفات التي تشتريها الدولة، أو تعمرها أو تستولي عليها من الأعداء في الحرب كأبنية دوائر الدولة والمدارس والمستشفيات وما شاكلها.

وللدولة أن تملك من أملاكها مما يملك للأفراد من أرض وبناء فإن للخليفة أن يملك منها الأفراد تمليك رقبة ومنفعة، أو تمليك منفعة دون تمليك الرقبة، أو يسمح لهم بإحياء الأرض الموات وتملكها، يتصرف في ذلك بما فيه مصلحة المسلمين.

الأراضي

للأراضي رقبة ومنفعة، فرقبتها هي أصلها ومنفعتها هي استعمالها في الزراعة وغيرها وقد أباح الإسلام ملكية رقبة الأرض، كما أباح ملكية منفعتها. ووضع لكل منها أحكاماً خاصة بها.

أنواع الأراضي

الأراضي نوعان: أرض عشرية، وأرض خراجية.

أولاً: الأرض العشرية:

هي الأرض التي أسلم أهلها عليها - أندونيسيا -، وأرض جزيرة العرب، والأرض الموات التي يحييها الإنسان.

والأرض العشرية تملك رقبتها ومنفعتها وتجب فيها الزكاة على ناتج الأرض وهو العشر إن سقيت بماء السماء أو نصف العشر إن سقيت بالآلات.

ثانيا: الأرض الخراجية:

هي الأرض التي فتحت حرباً، أو صلحاً، ما عدا جزيرة العرب، كالعراق والشام ومصر وغيرها من البلاد المفتوحة عنوة.

والأرض الخراجية رقبتها مملوكة للمسلمين، والدولة نائبة في ملكية الرقبة عنهم. ويجوز للأفراد أن يملكوا منفعة الأرض الخراجية.

ويجب في الأرض الخراجية الخراج وهو مقدار تفرضه الدولة على الأرض، كما تجب الزكاة على الناتج فيها بعد إخراج الخراج منه إذا بلغ النصاب.

ويحق لكل فرد الانتفاع بالأرض العشرية بيعاً وميراثاً وهبة كما يحق له الانتفاع بمنفعة الأرض الخراجية بيعاً وشراء وميراثاً كسائر الأموال الأخرى.

l المصانع

يجوز أن تكون المصانع مملوكة ملكية فردية، كمصانع السيارات أو الأثاث، أو الخياطة أو المعلبات أو غيرها من المصانع التي تملك فرد بنقوش إسلامية خاصة، وجعله قائماً على وحدة الذهب، ووحدة الفضة، بوزن الدينار والدرهم الشرعيين.

وقد ربط الإسلام أحكاماً شرعية بالذهب والفضة باعتبارهما ذهباً وفضة، وباعتبارهما نقداً وعملة، وأثماناً للأشياء، وأجرة للجهد، فحرّم كنزهما، وربط بهما أحكاماً معينة ثابتة لا تتغير ففرض الزكاة فيهما باعتبارهما نقدين، وأثماناً للمبيعات، وعين لهما نصاباً معيناً من دنانير الذهب، ودراهم الفضة، وحين فرض الدية جعلهما يدفعان فيها، وعين لها مقداراً معيناً من الذهب هو ألف دينار ومقداراً معيناً من الفضة هو اثنا عشر ألف درهم. وحين أوجب القطع في السرقة، عين المقدار الذي تقطع فيه يد السارق من الذهب بربع دينار، ومن الفضة بثلاثة دراهم، وحين قرر أحكام الصرف في المعاملات النقدية جعلها في الذهب والفضة.

فربط الإسلام لهذه الأحكام الشرعية بالذهب والفضة بوصفهما نقدين وعملة للتداول وأثماناً للمبيعات هو إقرار من الرسول r لجعل الذهب والفضة هما الوحدة القياسية النقدية، التي تقدر بها أثمان السلع وأجرة الجهد.

وهذا دال على اعتبار أن النقد في الإسلام هو الذهب والفضة، لأن جميع الأحكام التي ارتبطت بالنقود ربطت بالذهب والفضة.

وعليه فإن على المسلمين أن يكون نقدهم هو الذهب والفضة، وعلى دولة الخلافة أن تجعل نقدها هو الذهب والفضة، وأن تسير على قاعدة الذهب والفضة، كما كان الحال أيام الرسول r والخلفاء من بعده. وعليها أن تسك الدنانير والدراهم على شكل معين وطراز خاص بدولة الخلافة، وأن تجعل وزن الدينار هو وزن الدينار الشرعي 4.25 غراماً للدينار الواحد الذي هو وزن المثقال، وأن تجعل وزن درهم الفضة هو وزن الدرهم الشرعي الذي يطلق عليه وزن سبعة أي كل عشرة دراهم منها وزن سبعة مثاقيل فتسك الدرهم بوزن 2.975 غراماً للدرهم الواحد.

وقاعدة الذهب والفضة هي وحدها القادرة على القضاء على المشاكل النقدية، وعلى ظاهرة التضخم الشديدة التي تعم العالم، وعلى إيجاد استقرار نقدي، وثبات لأسعار الصرف وتقدم التجارة الدولية. وبقاعدة الذهب والفضة وحدها يمكن القضاء على تحكم أمريكا والدولار الأمريكي في النقد الدولي، وفي التجارة الدولية وفي الاقتصاد العالمي، ففي العودة إلى قاعدة الذهب هذه يفقد الدولار أية قيمة تأثيرية له في العالم.

سياسية التعليم

يجب أن يكون الأساس الذي يقوم عليه منهج التعليم هو العقيدة الإسلامية، فتوضع مواد الدراسة، وطرق التعليم جميعها على الوجه الذي لا يحدث أي خروج في التعليم عن هذا الأساس.

فسياسة التعليم هي تكوين العقلية والنفسية الإسلامية، فتوضع جميع مواد الدراسة التي يراد تدريسها على أساس هذه السياسة.

والغاية من التعليم هي إيجاد الشخصية الإسلامية، وتزويد النّاس بالعلوم والمعارف المتعلقة بشؤون الحياة، وعليه فيجب تعليم الثقافة الإسلامية في جميع مراحل التعليم.

أفكار وأحكام في العلاقات العامة والسياسة الخارجية

السياسة هي رعاية شؤون الأمة والدولة في الداخل والخارج، وتكون من الدولة بتطبيق النظام على النّاس ورعاية شؤونهم وقضاء مصالحهم في الداخل، وبمعرفة الموقف الدولي، وسياسة الدول الكبرى والمؤثرة فيه، وبناء علاقات خارجية مع الدول وفق ما يتطلبه حمل الدعوة إلى العالم بالدعوة والجهاد.

وتكون السياسة من قبل الأمة، ومن قبل الأحزاب الموجودة فيها بمحاسبة الحاكم على رعايته لشؤونها، وعلى ما قام به من تصرفات وأعمال، وتقديم النصح له، وبالاهتمام بشؤون المسلمين وأمرهم.

دار الإسلام ودار الكفر

دار الإسلام هي الدار التي تطبق فيها أحكام الإسلام على جميع شؤون الحياة والحكم ويكون أمانها بأمان الإسلام ولو كان أكثر أهلها من غير المسلمين.

ودار الكفر هي الدار التي تطبق فيها أحكام الكفر على جميع شؤون الحياة، ويكون أمانها بأمان الكفر، ولو كان جميع أهلها من المسلمين. فالعبرة في الدار من كونها دار إسلام أو دار كفر، بالأحكام التي تطبق عليها، وبالأمان الذي تكون آمنة به. وليست العبرة بدين أهلها.

وبلاد المسلمين اليوم لا يوجد فيها بلد، ولا دولة تطبق أحكام الإسلام في الحكم، وشؤون الحياة، لذلك فإنها كلها تعتبر دار كفر، ولو كان أهلها مسلمين.

ولهذا فإن الإسلام يوجب على المسلمين كافة العمل لتحويل ديارهم من دار كفر إلى دار إسلام، وذلك بإقامة دولة إسلامية، التي هي دولة الخلافة، وتنصيب خليفة ومبايعته على أن يحكم فيهم بما أنزل الله، أي أن يطبق عليهم أحكام الإسلام، في البلد الذي تقام فيه دولة الخلافة، ثم يعملون مع دولة الخلافة لضم بقية البلدان الإسلامية إليها، وبذلك تتحول إلى دار إسلام ومن ثمّ يحملون الإسلام رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد.

الجهاد

الجهاد هو بذل الوسع في القتال في سبيل الله لإعلاء كلمته، ونشر دعوة الإسلام مباشرة أو معاونة بمال أو رأي، أو تكثير سواد، أو غير ذلك، فالقتال لإعلاء كلمة الله ونشر الإسلام هو الجهاد، وهو فرض، وقد ثبتت فرضيته بالقرآن والسنة، فقد وردت عشرات الآيات والأحاديث الموجبة له.

والجهاد فرض كفاية ابتداء، وفرض عين إن هجم العدو، ومعنى كون الجهاد فرض كفاية ابتداء هو أن نبدأ بقتال العدو وإن لم يبدأنا. فإن لم يقم بالقتال ابتداء أحد من المسلمين في زمن ما أثم كل المسلمين بتركه. ولذلك فليس الجهاد حرباً دفاعية، وإنما هو حرب لإعلاء كلمة الله، ويجب ابتداء لنشر الإسلام وحمل دعوته، ولو لم يهاجمنا الكفار.

العلاقات الدولية

علاقة الدولة الإسلامية بغيرها من الدول القائمة في العالم يجب أن تكون وفق أحكام الإسلام، وتجري على الشكل التالي:


الدول القائمة اليوم في العالم الإسلامي، فإنها تعتبر كأنها قائمة في بلد واحد، فالمسلمون أمة من دون النّاس، ويجب أن يكونوا وحدة واحدة في دولة واحدة، وكيان واحد.

لذلك لا تعتبر العلاقة معهم ضمن العلاقات الخارجية للدول، ولا تعتبر من السياسة الخارجية، بل يجب أن تعتبر من السياسة الداخلية، ولهذا لا تعمل معها علاقات دبلوماسية ولا تعقد معها اتفاقيات، بل يجب العمل على توحيدها جميعها في دولة واحدة في دولة الخلافة، ولا يعتبر رعايا هذه الدول أجانب إن كانت دارهم دار إسلام، ويعاملون معاملة أفراد رعية دولة الخلافة، أما إن كانت دارهم دار كفر فيعاملون معاملة رعايا دار الكفر.


الدول الأخرى الموجودة في العالم شرقه وغربه، فإنها كلها تعتبر دار كفر، ودار حرب حكماً، والعلاقة معها تعتبر من السياسة الخارجية، وتحدد هذه العلاقة وفق ما يقتضيه الجهاد، وما تقتضيه مصلحة المسلمين، ومصلحة دولة الخلافة وفق الحكم الشرعي.


يجوز أن يعقد مع هذه الدول اتفاقيات حسن جوار واتفاقيات تجارية أو اقتصادية، أو علمية، أو زراعية، أو غيرها من المعاهدات التي يجيزها الإسلام على أن تكون هذه الاتفاقيات لأجل محدد، ويكون عقد هذه الاتفاقيات وفق ما يقتضيه الجهاد، وما تقتضيه مصلحة المسلمين ومصلحة دولة الخلافة.

ويكون التعامل مع هذه الدول وفق نصوص المعاهدات، وتك ن هذه الدول المحاربة فعلاً أرضاً إسلامية، كإسرائيل في احتلالها أرض فلسطين فإنه يحرم شرعاً الصلح معها ولو على شبر من الأرض لأنها مغتصبة ومعتدية، والصلح معها هو تنازل لها عن أرض إسلامية وتمكينها من تملكها ومن السيطرة على المسلمين فيها وهذا لا يجوز شرعاً. والإسلام يحتم على المسلمين جميعاً محاربتها والقضاء عليها واستنقاذ بلاد المسلمين منها، قال تعالى: { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً }، وقال: { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم }.

6 - لا يجوز لدولة الخلافة أن تعقد اتفاقيات عسكرية مع غيرها من الدول كاتفاقيات الدفاع المشترك، والأمن المتبادل، وما يلحق بذلك من التسهيلات العسكرية، أو تأجير القواعد، أو المطارات أو الموانئ، فإن هذه الاتفاقيات يحرمها الإسلام، فيحرم على المسلمين أن يعقدوها مع غيرهم من دول الكفر، لأنه يحرم على المسلم أن يقاتل تحت راية كفر، أو في سبيل كفر، أو عن دولة كافرة، أو أن يجعل للكافر سلطاناً على المسلمين أو على أرض الإسلام.


لا تجوز الاستعانة بالدول الكافرة، ولا بجيوشها، لأن الرسول r قد منع المسلمين من ذلك حيث نهى عن الاستضاءة بنار المشركين لقوله عليه السلام " لا تستضيئوا بنار المشركين ". والنار كناية عن الحرب، وقال " إنّا لا نستعين بمشرك ".

كما لا يجوز أخذ قروض أو مساعدات من هذه الدول، لأن قروضها تكون بفوائد، وهي محرمة لأنها ربا ولأن هذه القروض والمساعدات وسيلة لإيجاد سيطرة لهذه الدول الكافرة على المسلمين وبلادهم وهذا حرام شرعاً بقاعدة " الوسيلة إلى الحرام محرمة ".

كما لا يجوز للمسلمين أن يضعوا قضاياهم بيد الدول الكافرة لتحلها لهم، كأنّ يضعوا قضاياهم بيد أمريكا أو روسيا، أو بريطانيا، أو فرنسا كي تحلها لهم. لأن الاستعانة بالدول الكافرة وبجنودها، أو بوضع قضايانا بيدها يجعل لهذه الدول من جراء ذلك نفوذاً وسيطرة وسبيلاً على المسلمين، وقد منع الله المسلمين من أن يجعلوا للكفار عليهم سبيلاً.

كما لا يجوز للمسلمين أن ينضموا إلى المنظمات الدولية العالمية كهيئة الأمم المتحدة وكالبنك الدولي، وكهيئة التنمية الدولية، لأن هذه المنظمات تقوم على أساس يتناقض مع أحكام الإسلام، ولأنها أداة بيد الدول الكبرى، خاصة أمريكا تسخرها لتحقيق مصالحها الخاصة، وهي وسيلة لإيجاد نفوذ الكفار على المسلمين وبلادهم، وذلك لا يجوز شرعاً، لأن الوسيلة إلى الحرام محرمة.

وكذلك لا يجوز للمسلمين أن ينضموا إلى المنظمات والأحلاف الإقليمية، كالجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وأحلاف الدفاع المشترك، لأنها تقوم على أساس يتناقض مع الإسلام، ولأنها تقضي بتكريس تجزئة بلاد المسلمين، وتحول دون توحيدها في دولة واحدة.





20 من شَعبان 1405 هـ.

الموافِق 9 / 5 / 1985 م .

ليست هناك تعليقات: